تونس

الحريّات في تونس.. السلطة تصرّ على التضييق والمعارضة تصارع للبقاء

مع اقتراب تونس شيئا فشيئا نحو استحقاق الانتخابات الرئاسيّة، يصبح الحديث عن مناخ الحريّات وسؤال إلى أين يسير ملف الحريّات أكثر إلحاحا، خاصة في ظل إصرار السلطة على المضي قدما في تعاملها مع التعبير عن الرأي وحريّة الصحافة بآليات الرقابة والتضييق.

فقد شهدت البلاد في الآونة الأخيرة، تصعيدا في حملة الاعتقالات على الرغم من تعالي الأصوات – حتّى داخل المعسكر الموالي لمنظومة 25 جويلية – الداعية إلى وقف الملاحقات وإلغاء المرسوم 54 الذي يعتبره الجميع سيفا مسلّطا على حريّة التعبير أبرز مكاسب التونسيّين بعد الثورة.

فخلال عام ونصف العام، وبموجب هذا المرسوم، حوكم أكثر من 60 شخصًا بينهم صحفيّون ومحامون ومعارضون للرئيس.

السلطة تتجاهل أصوات المعارضة

في المقابل تتمسّك المعارضة السياسيّة والمجتمع المدني برفض هذا المسار وتطالب السلطة برفع يدها عن الحريّات وإطلاق سراح الموقوفين وسجناء الرأي وتنقية المناخ السياسي لضمان مصداقيّة الاستحقاق الانتخابي القادم.

في هذا السياق قال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، خلال الوقفة التضامنيّة الأسبوعية مع المعتقلين السياسيين، إن “وقفة جبهة الخلاص الدورية تستمد مبرراتها من الأحداث اليومية والوضع العام في تونس”.

وأكّد أن “السياسة الحالية تقوم على قمع النخب وقمع المعارضين والحريّات“.

وشدّد على أن “هناك عدّة تخوفات تهم الوضع الاقتصادي وتراكم الديون، إلى جانب الوضع الاجتماعي الصعب”.

وأشار إلى أن “الرجوع إلى الأصل فضيلة والاستقرار ممكن بإجراء حوار وطني”.

ولفت الشابي إلى أنه “لا بد من تحديد موعد للانتخابات وفك العزلة التي تعيشها تونس، فالإصلاح السياسي ممكن لو توفرت الإرادة.

من جهته، قال الأمين العام لحركة النهضة عجمي الوريمي، في كلمة له: “هذه المساحة في شارع الحبيب بورقيبة ستبقى فضاء للتعبير الحر”.

وأضاف: “وتيرة المحاكمات السياسية تصاعدت، كما أن المحاكمات على خلفية المرسوم 54 تزايدت، ولا بد من إلغاء هذا المرسوم واستعادة الحريات.

وحول الانتخابات، بيّن الوريمي أنه “لا بد من هيئة انتخابات مستقلة، ومن حياد مؤسسات الدولة، ورفع كل أشكال التضييق، خاصة على المترشحين، إذ إنه من حق التونسيين ممارسة واجبهم الانتخابي ومعرفة تاريخ الانتخابات لأن الغموض وحجب الحقيقة لن يكونا في مصلحة أي طرف ولن يخدم تونس”.

تونس تتجه نحو التصعيد

قال مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مهدي مبروك، إن ما حدث من اعتقالات في البلاد واقتحام دار المحامي رمز الدفاع عن الحريّات، لم يكن له مثيل سواء كان في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة أو الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

ولفت في حديث إلى موقع “العربي” إلى أن كل المؤشرات تؤكد أن العقل السياسي في الكثير من الأحيان في السنوات الأخيرة يمر بلحظة “هوجاء.

وأضاف مبروك أن ما وصفه بـ”الاقتحام المريع والدموي” الذي رافق هذه العملية غير المسبوقة يؤكد مرّة أخرى أن البلاد ذاهبة إلى التصعيد.

وقال: إنّ “السلطة تهدف ربما إلى الذهاب إلى انتخابات لا لاعب فيها إلا لاعب وحيد، ولا صوت يعلو فوق صوت السلطة”.

ونبّه إلى أن هذه السياسات قد تكون لها آثار عكسية، وربما من شأنها إما أن تدفع بالناس إلى العزوف عن الانتخابات، أو افتقاد العملية الانتخابية للنزاهة، وبالتالي تصبح لا معنى لها، وتصبح جزءًا من العبث السياسي الذي تشهده البلاد منذ سنوات، حسب رأيه.

وقال مبروك: “كان يفترض للسلطة أن تعمد إلى التهدئة وتلطيف الأجواء وخفض مناطق التوتر والاحتقان، فيما البلاد ذاهبة إلى انتخابات رئاسية، لكن للأسف عمد النظام إلى فتح جبهات متعدّدة”.

من جهته، قال المنسق العام لائتلاف “صمود” حسام الحامي لفرانس24: “لا يخفى على أحد أن وضع الحريّات في تونس تردّى بشكل كبير بعد 25 جويلية 2021 بما في ذلك وضع الحقوق الفردية ووضع مسألة استقلال القضاء.

ومثلا، في ما يتعلق بالمراسيم التي صدرت قامعة للحريات، من ذلك المرسوم 54 وإلى جانبه المرسوم 35 الذي يسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل مباشرة وإعفاء القضاة.

وتابع: “كل هذا خلق مناخا يعطي انطباعا بأن الحريّات مهددة بشكل كامل في تونس، لا سيما في ظل المتابعات ضد كل من يخالف السلطة القائمة بمن فيهم الصحفيون والنشطاء السياسيون والمحامون والنقابيون، وحتى الشباب، والمجتمع المدني أيضا.. فقد رأينا رؤساء جمعيات في السجن ومتابعين قضائيا، وهذا مؤشر على أن السلطة القائمة منذ حصولها على الحكم وخاصة بعد الإجراءات الاستثنائية وتفعيل المرسوم 80 اتخذت منحى تعتبر فيه أن كل الأجسام الوسيطة يجب أن يقع إلغاؤها نهائيا وتصفيتها بكل الطرق عن طريق مراسيم، عن طريق قوانين، عن طريق التضييقات، عن طريق الضغط عبر أجهزتها الصلبة”.

المجتمع المدني.. تهديد وجودي

من جانبه، وفي تصريح سابق، اعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان باسم الطريفي أن “تونس قد تفقد مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به” إذا تم تعديل قانون 88 بشكل جذري.

ويضيف الطريفي: “حسب دراسة قمنا بها، فإننا من خلال الحد من الموارد المالية للمجتمع المدني، قد نخسر حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر ومئة ألف فرصة عمل غير مباشرة.”

ويرى الطريفي أن “النية تتجه اليوم من خلال هذا القانون إلى التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية“.

وكان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011 وخصوصا خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.

وفي تقييم للوضع الحالي قال الحامي إنه وفي مواجهة هذه التضييقات “اتجه عدد كبير من الجمعيات إلى التجمع في إطار تنسيقيات في محاولة لإيقاف هذا المد لا سيما في ظل المخاوف من تنقيح المرسوم 88 المنظم للجمعيات الذي يعتبر أحد أهم مكاسب الثورة.