الجيش التونسي ... تاريخ من الحياد عن الصراعات السياسية
tunigate post cover
سياسة

الجيش التونسي ... تاريخ من الحياد عن الصراعات السياسية

من صرامة أحمد باي إلى حذر بورقيبة...كيف تشكلت عقيدة الجيش التونسي القائمة على الولاء والحياد عن الصراعات السياسية
2022-06-23 19:18

وجدي بن مسعود

“الله دائم حي بالروح بالدم نفديك يا علم” و”يالي طالع للسماء الخبر يموت هنا”، أهازيج اشتهر بها الجيش التونسي بمختلف ألويته وقواته لا سيما البرية منها، يرددها الجنود في تدريباتهم وعملياتهم الميدانية.

ترسخت كلمات هذه الأناشيد بنزعتها الحماسية الرافعة للمعنويات والمحفزة للمجندين والعسكريين كأحد أهم أركان العقيدة القتالية للقوات المسلحة في تونس، عبر تاريخها الحديث، قوامها الإيمان والولاء والإخلاص لتونس ورايتها دون سواهما.

غرست هذه العقيدة الصارمة ثقافة الحياد داخل المؤسسة العسكرية التونسية وعدم التدخل في الشأن السياسي، حتى عرف عن الجيش التونسي أنه من بين صفوة الجيوش الاحترافية والمهنية في الأٌقطار العربية، فلا  نفوذ حزبي له ولا تأثير في الساحة السياسية.

تنطلق بعض المقاربات الأكاديمية والتاريخية المتعلقة بالجيش التونسي من تقاليده المعنوية وعقيدته القتالية منذ تاريخ 30 جوان/يونيو 1956، وهو تاريخ تأسيسه بعد الاستقلال وهي مقاربة تفتقد إلى العمق والدقة والمنهجية.

فبرغم الأهمية والرمزية التي يشكلها هذا التاريخ في الذاكرة الوطنية، إلا أن الباحثين يصفونه بأنه إعادة بعث للجيش الوطني بعد قيام السلطات الاستعمارية عقب احتلال تونس 1881 بحل الوحدات العسكرية النظامية المشكلة منذ عهد المشير أحمد باي.

ارتبطت النهضة العسكرية التونسية بفترة الإصلاحات الكبرى والمهمة التي شهدتها تونس في عهد أحمد باي، والذي يرجع له الفضل في تكوين نواة جيش احترافي عصري لحماية البلاد منذ سنة 1831.

مدرسة حربية


استعان أحمد باي بعدد من الخبرات الأوروبية وقام بتأسيس مدرسة حربية في باردو ضواحي العاصمة لتخريج الضباط وتمكينهم من تكوين علمي عسكري متخصص. كما أنشأ عددا من المصانع والثكنات لتركيز البنية التحتية للجيش الجديد وتوفير احتياجاته من السلاح والأزياء والمؤونة.

وإلى جانب القوات البرية التي توزعت على عدد من الثكنات بمنوبة وتونس والمحمدية والقيروان، ضمت بنية الجيش التونسي الحديث قوات بحرية، حيث أنشأ الباي ميناءين حربيين في كل من حلق الوادي وغار الملح وألحق بهما مجموعة من المستودعات الحربية والأرصفة والثكنات لجنود البحرية أمنّها بمدافع قوية.

حرص أحمد باي على غرس قيمة الانضباط داخل تشكيلات جيشه الجديد وعناصره وإبعادهاعن التدخل في الشأن السياسي أو التورط في الصراعات على السلطة، بهدف القطع مع الإرث السيئ للعساكر الإنكشارية ممن عرفوا بكثرة تدخلهم في شؤون الحكم.

حرب القرم


ويشير المؤرخ والوزير التونسي الشهير أحمد ابن أبي الضياف في مؤلفه “الاتحاف” إلى أن طلب الباب العالي في إسطنبول الاستعانة بتشكيلات من الجيش التونسي لتعزيز جهوده في حرب القرم التي خاضها ضد الإمبراطورية الروسية بين 1853 و1856، تثبت انضباط الحيش التونسي الحديث واحترافيته ونجاعته القتالية.

مهام مدنية

عقب نيل تونس استقلالها في مارس/آذار 1956 كان الجيش الوطني على رأس المؤسسات السيادية الجديدة التي وقع تركيزها في وقت قياسي. 

تأسس الجيش الوليد، على النمط الفرنسي، كما أن معظم المجموعة الأولى من كوادره خدمت في الجيش الفرنسي، فيما كان البعض الآخر من قدماء المحاربين خلال الحرب العالمية الثانية ومعارك الهند الصينية أوائل الخمسينات.

انتهج الرئيس التونسي الراحل بورقيبة سياسة الحياد الخارجي، فعمل على تحديد دور الجيش بشكل صارم ومنعه من امتلاك فائض من الإمكانيات والقوة تمكنه من لعب أي دور سياسي.

لعب الجيش التونسي خلال السنوات الأولى للاستقلال مهام مدنية، فأسهم في  بناء الدولة وانجاز عديد المشاريع الكبرى مثل السكك الحديدية، والطرقات.

حذر بورقيبة من تعاظم قدرات الجيش والحرص على تحجيمها، أعقبتها مرحلة طويلة من التهميش خلال سنوات حكم بن علي حسب عديد الخبراء والمؤرخين، والذين رصدوا حرصه على دعم الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية على حساب وزارة الدفاع الوطني، ما أدى إلى مزيد إضعافها وتقادم معداتها وإمكانيتها.

لم تحل تقاليد الحياد الصارمة للجيش التونسي من مغادرة ثكناته في لحظة حاسمة من مسار الثورة التونسية، ليس بحثا عن انتزاع كرسي السلطة بل للمساهمة في حماية المدنيين والمتظاهرين السلميين والمشاركة في استباب الأمن، ما تسبب في استنزاف امكانياته البشرية في فرض حالات الطوارئ وتأمين المقرات والمنشئات وفق المؤرخ العسكري فيصل الشريف، ما انعكس على حربه في مواجهة الإرهاب منذ سنة 2013.

محاولات إقحام الجيش


على مدار السنوات الأخيرة تكررت محاولات جر المؤسسة العسكرية إلى مربع السياسة، من خلال تصريحات عدد من الشخصيات ونواب البرلمان الذين طالبوا الجيش بالتدخل لحسم الأزمات السياسية وبإصدار “البيان عدد 1″، فضلا عن الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي الذي دعا قيادات المؤسسة العسكرية لعزل الرئيس قيس سعيد وهو ما يشكل مسا بعقيدة الجيش التونسي ومحاولة لتوريطه في الصراعات السياسية.

التحديات التي تتعرض لها المؤسسة العسكرية التونسية لم تتوقف عند محاولة إقحامها في الأزمة السياسية، إذ تجاوزتها نحو توظيفها في أجندات التطبيع بشكل غير مباشر. 

مناورات “الأسد الإفريقي” التي ينظمها الجيش الأمريكي مع عدد من جيوش شمال إفريقيا والشرق الأوسط كشفت عن مدخل عسكري للتطبيع، عبر تشريك عدد من ضباط وقيادات الجيش الوطني في تدريبات مشتركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي تحت “مظلة أمريكية”.

ورغم تأكيدات وزارة الدفاع التونسية أن التدريبات التي ستقام على أرض تونس ضمن هذه المناورات ستكون بين الجيش التونسي وقوات أمريكية حصرا، إلا أن عددا من الناشطين عبروا عن مخاوف من مشاركة عناصر عسكرية من جيش الاحتلال في الجزء الثاني من المناورات الذي سيقام في المغرب.

أحمد باي#
الجيش التونسي#
الحبيب بورقيبة#
عقيدة الحياد#

عناوين أخرى