الخارجيّة الجزائريّة تهاجم وزير الداخليّة الفرنسي وتحمّله مسؤوليّة تدهور العلاقات بين البلدين
عرفت العلاقات بين الجزائر وباريس -المتوترة أصلا- تصاعدا جديدا ومفاجئا بعد هدوء لم يدم طويلا، أرجعته الجزائر إلى وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو معتبرة أنه “يتحمّل المسؤولية الكاملة” عنه.
وهاجمت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان “التصرّف المشين” لروتايو الذي “يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة”.
وأشارت إلى أنّ توقيف موظف قنصلي جزائري ليس “إلّا نتيجة للموقف السلبي والمخزي المستمر لوزير الداخلية الفرنسي تجاه الجزائر”.
وبرونو روتايو شخصية بارزة من اليمين الفرنسي ويقود حملة انتخابية لتولّي قيادة حزب الجمهوريين، وقد أصبح في الأشهر الأخيرة يجسّد النهج المتشدّد حيال الجزائر، وخصوصا في القضايا المتعلقة بالهجرة.
توتّر جديد
واشتعلت الأزمة من جديد بين البلدين. فقد ردّت الجزائر على توقيف الموظف القنصلي في باريس بتهم محاولة خطف مؤثر جزائري لاجئ في فرنسا، بطرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية والقنصليات الملحقة بها تابعين لوزارة الداخلية، حسب الجزائر.
ورأى عبد الله أكير الباحث في العلاقات الدولية أنّ “وزارة الخارجية محقّة لما ذكرت وزير الداخلية بالاسم باعتباره سبب الأزمة، ولا يعتبر هذا تدخّلا في الشأن الداخلي الفرنسي بقدر ما هو تحديد للمسؤولية”.
تخريب العلاقات
واحتدمت الأزمة بين البلدين عندما سحبت الجزائر سفيرها في باريس احتجاجا على إعلان باريس في أواخر جويلية 2024 تأييدها خطة المملكة المغربية في تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء الغربية المصنفة ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” حسب الأمم المتحدة.
وتدعم الجزائر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المطالبة بالاستقلال.
وتفاقم الوضع ببروز مشاكل أخرى كتوقيف الروائي الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال وإدانته بالسجن خمس سنوات بتهمة المساس بوحدة الوطن، ثم خلافات متعددة متعلقة بالهجرة.
وفي كل مرة برز اسم برونو روتايو، المتهم بالسعي إلى “تخريب” العلاقات مع الجزائر.
فمنذ أصبح وزيرا، “استهدف ريتايو الجزائر بطريقة مباشرة جدا”، ما تسبّب في “مواجهة وتحدّ” بين هذا البلد وبينه، على ما أوضح أستاذ الجيوسياسة عدلان محمدي، مضيفا أنّ النظام الجزائري استغل القضية بدوره ليجعله “هدفا” لردوده.
ورأى محمدي أنّ الجزائر تتفادى بذلك استهداف “الدولة الفرنسية ككل” في هذه الأزمة، وتسعى إلى “الحفاظ على نوع من هامش المناورة” لتقول: “نريد الحفاظ على قناة للحوار مع الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) ومع وزارة الخارجية، لكن كل ما يتعلق بوزارة الداخلية يسبب لنا مشكلة”.
وأشار الوزير الفرنسي أيضا إلى الجزائر بعد هجوم دام في 22 فيفري في فرنسا نفّذه جزائري فرضت عليه السلطات مغادرة ترابها، ورفضت الجزائر مرات عدة استعادته.
على أرض الواقع، كانت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الجزائري والفرنسي، عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في نهاية مارس، بعثت الأمل في حصول مصالحة.
وتساءل الوزير الأسبق والدبلوماسي الجزائري عبد العزيز رحابي على منصة أكس عن مغزى هذا التمييز الذي قام به “جزء من الجزائريّين” بين روتايو وماكرون.
فهو لا يرى أنّ ثمة “اختلافا جوهريا” بين الرجلين “بل بالأحرى توزيع حكيم للأدوار”، بطريقة “الشرطي الجيد، الشرطي السيء”.
اتجاه متشدّد
كذلك، أكّد عبد الله أكير أنه “يصعب القول إنّ وزير الداخلية روتايو يتصرف من تلقاء نفسه ومن دون علم وموافقة رئيس الوزراء والرئيس ماكرون”.
ومع ذلك رأى أنّ استهداف روتايو وانتقاده مباشرة هو من جهة أخرى “رسالة للرئيس الفرنسي لاتخاذ ما يراه مناسبا لتفكيك الألغام التي يزرعها الوزير روتايو في طريق التهدئة والعودة بالعلاقات بين فرنسا والجزائر نحو مسارها الطبيعي”.
واعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية برونو فوكس أنّ وجود جناحين، معتدل ومتطرّف، ينطبق أيضا على السلطة الجزائرية في نظرتها وتعاملها مع فرنسا.
وقال: “في الجزائر، الموقف تجاه فرنسا ليس متجانسا، من جهة هناك المؤيّدون للحوار ومن جهة أخرى هناك المؤيّدون للاتجاه المتشدّد. يبدو أنّ أنصار الخط الصارم يحاولون إفشال عملية العودة إلى تطبيع جديد”.
وهذه فرضية معقولة حسب عدلان محـمدي، حتى وإن حاول النظام الجزائري “إخفاء” ذلك.
لكن هل يمكن للعلاقات الجزائرية الفرنسية أن تستقيم مجدّدا بعد هذه الهزّات؟
ولم يبدِ محمدي الحريص تفاؤلا كبيرا لأن الخلافات مثل تلك المتعلقة بالصحراء الغربية “لا رجعة فيها”، فإنّ “البلدين ليست لهما مصلحة في القطيعة التامة” وأنّ الحوار يمكن أن “يُستأنف”.
كذلك رأى إسماعيل معراف أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة الجزائر أنّ “المصالح الإستراتيجية العليا بين البلدين وحساسية الملفات التي لا تظهر للعلن تجعلنا لا نستبعد أن تعود العلاقات إلى طبيعتها قريبا”، مؤكّدا أنه غير مؤمن بتاتا بفرضية “القطيعة” بين البلدين.
والأربعاء، عاد وزير الخارجية الفرنسي جان نوال بارو للتأكيد أنه حتى لو ردّت باريس “بحزم” على القرارات الجزائرية، فسيكون من الضروري “على المدى الطويل” استئناف الحوار “لصالح الفرنسيين”.