ما يزال غالبية الجزائريين يعتبرون شعار “نحن مع فلسطين، ظالمة أو مظلومة”، الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين ممثّلا لهم. لكنهم باتوا اليوم بلا صوت تحت طائلة نظام متوجّس من أيّ تحرّك شعبي.
فقد أثار تأخّر الشارع الجزائري عن ركب العواصم العربيّة والدوليّة المنتفضة دعما لغزّة وفلسطين، تساؤلات كثيرة حول أسباب هذا الغياب.
ويعود سبب تأخّر مظاهر التضامن الشعبي في الجزائر مع غزة -حسب ما يراه المراقبون- إلى حظر السلطة للمظاهرات والمسيرات الشعبية في الشوارع، خوفا من إمكانية انحراف تلك المظاهر نحو استغلاها لعودة الاحتجاجات المناهضة لها.
موقف رسمي متضامن مع غزّة
لم يتخلّف الموقف الرسمي الجزائري عن التضامن المطلق مع غزّة والتنديد بجريمة الإبادة الجماعيّة.
فقد أكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أمس السبت، أنه ينبغي على القوى الرادعة أن تفرض على “إسرائيل” الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي.
وأضاف تبون، أنّ “القرار يلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة، انتصار للحق قبل أن يكون انتصاراً للجزائر أو الوطن العربي وأفريقيا”.
وتابع بالقول: “آن الأوان لتصبح فلسطين عضواً كامل الحقوق والعضوية في الأمم المتحدة، ولن نترك ميدان المعركة حتى نحقق ذلك”.
وأكد بالقول: “نناضل من دون كلل أو ملل لقيام دولة فلسطينية مستقلة”.
وأشار إلى أنّ “هناك أملاً حقيقياً لقيام دولة فلسطينية، وسنواصل معركتنا لتحقيق هذا المسعى”.
وكانت الجزائر أطلقت منذ أكتوبر الماضي جسرا جويا، إلى مطار العريش، من أجل إرسال مساعدات إنسانية “عاجلة” إلى قطاع غزة عبر معبر رفح.
كما أعلنت الجزائر، الجمعة الماضي، إرسال مساعدات إنسانية جديدة إلى قطاع غزة ضمن الجسر الجوي الذي أنشأته في إطار دعمها للشعب الفلسطيني.
وقادت الجزائر في مجلس الأمن مساعي حثيثة لاستصدار قرار لوقف إطلاق النار في غزّة.
ويحسب للجزائر، ومن ورائها كتلة الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، استصدارها القرار رقم 2728 ودفع المجلس إلى تبنيه بأغلبية 14 صوتا مؤيّدا في مقابل لا شيء، من دون الوقوع في فخ إدانة المقاومة أو وصمها بالإرهاب.
كما يحسب لها أيضا أنها فكَّت الارتباط بين مسألتي الأسرى ووقف إطلاق النار، جاعلة منهما مسألتين منفصلتين.
وذلك خلاف ما أرادت الولايات المتحدة فعله في مسودتها التي عرضتها على مجلس الأمن في 22 مارس ورفضتها كل من روسيا والصين والجزائر.
خوف من التعبير الشعبي
في الوقت الذي تجتاح حشود المتظاهرين المتضامنين مع غزّة عواصم العالم، يبدو الشارع الجزائري خافتا.
وتغيب عنه مظاهر التعبير الشعبي عن دعم القضيّة الفلسطينيّة وتنديد بجريمة الإبادة الجماعيّة في غزّة.
ويعود ذلك أساسا إلى منع السلطات هذه التظاهرات. فمخاوف السلطة في الجزائر تتزايد من أن تتحوّل المسيرات المعبّرة عن التضامن الشعبي مع فلسطين، إلى أصوات تحتجّ ضدّها.
فالحراك الذي أفشل العهدة الخامسة التي طالب بها بوتفليقة وفرض على النظام التضحية برموزه البارزة، ما يزال يؤرق النظام.
كما لم يتعاف منه النظام السياسي بكل مؤسساته، والذي سبّب له هزات كثيرة ومتتالية مسّته في العمق وخلطت أوراقه، وفق تقدير محلّلين سياسيّين جزائريّين.
يقول الكاتب الجزائري ناصر جابي في القدس العربي: “الموقف الرسمي الرافض للمسيرات التضامنية مع غزة في الجزائر، الذي يجب فهمه في إطار سياق أوسع يمر به البلد، منذ توقّف مسيرات الحراك، المتّسم بالخوف الرسمي من أيّ تحرّك شعبي، يمكن أن يحيد عن إطاره المعلن، في اتجاه مواقف نقدية للأوضاع السياسية القائمة”.
وأشار إلى أنّ البلد ما زال الشارع فيه من دون تأطير سياسي وحزبي، يمكن أن يتحول بسرعة إلى تبنّي مواقف نقدية للأوضاع السياسية القائمة، كما حصل في أكثر من محطة تاريخية قريبة.
خيبة أمل وصدمة
ويقول أحد المدوّنين في منصّة “إكس”: “بلد عربي هو الأحب على أهل غزة، علمه لم يفارق لا مظاهرات ولا مسيرات والا اعتصامات حدثت في غزة.
لا يختلف عليه شخصين في حب شعبه، هو عشق أهل غزة. واليوم لم نشاهد حتى مظاهرة واحدة تسير في شوارعها، خيبة أمل، وصدمة كبيرة”.
ويضيف آخر: “من المضحك أنّ التونسيين والجزائريين والليبيين يقولون لو كانت فلسطين بيننا لتحرّرت.
في أحداث غزة صارت مظاهرات عديدة في تونس ثم خمدت والآن وقفات احتجاجية صغيرة.
الجزائر وليبيا قامتَا بمسيرات محدودة ثم توقّفت تماما.
قارنوا بين تحرّكاتكم وتحرّكات الأردنيين وتوقّفوا عن العنتريات مستقبلا”.
وأورد حساب آخر على منصّة “إكس”: “في الجزائر هناك من يتحجج.. ليس لدينا سفارة للكيان!
هذا صحيح لكن لدينا سفارات لأكبر داعمي الكيان.. دعونا من التحجج والتبرير والأعذار.
هي مجرد مظاهرات وليست دعوات للحرب في غزة.. إلى هذه الدرجة وصل بنا التكاسل والعجز!”.