أنيس العرقوبي
أثار قرار إعفاء عثمان الجرندي من مهامه على رأس وزارة الخارجية، أمس الثلاثاء 7 فيفري، جدلا واسعا في أوساط التونسيين، لما يحمله من غموض من حيث التوقيت والأسباب.
وربط أغلب المتابعين للشأن السياسي في تونس قرار الإقالة بكارثة الزلزال الأخير الذي ضرب كل من تركيا وشمال سوريا، وتواصل الجرندي مع وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد.
وكان آخر نشاط معلن للجرندي أمس الثلاثاء، عندما نشر تغريدة على حسابه بـ”تويتر”، قال فيها إنه أجرى مكالمة مع فيصل المقداد وزير خارجية النظام السوري، وأبلغه عن تعاطف وتضامن تونس رئيساً وحكومةً وشعباً مع سورية الشقيقة، وتنسقهما لإيصال المساعدات.
تدوينة.. وتأخر استجابة تونس
تؤكّد أغلب التعليقات أنّ إقالة وزير الخارجية، تأتي على خلفية تحركه باتجاه تركيا وسوريا بصورة متأخرة للغاية، إذ قدّر توقيت الموقف التونسي، بنحو 15 ساعة بعيد ضرب الزلزال ولايات تركية وسورية عديدة، بحجم أضرار كبيرة..
ويرى المقرّبون من الرئيس قيس سعيّد أنّ الإعفاء كان نتيجة تأخّر استجابة الجانب التونسي لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها منظمات إنسانية ودولية، وهو ما دفع بالرئاسة إلى التدخل على الخطّ لتدارك هذا البطء في المستوى الدبلوماسي.
أمّا الشق الثاني من الموالين، فذهب إلى أن سبّب الإقالة يعود إلى إصرار وزير الخارجية على عدم كسر قانون قيصر الأمريكي الذي يمنع إرسال مساعدات إلى سوريا، فأيّ خرق تُرتَّب عنه مجموعة من العقوبات.
هذه الرواية تدخل في سياق البروباغندا السياسية خاصة أنّ التقارير الواردة تؤكّد أنّ الطائرات التي تحمل مساعدات الإنسانية حطّت في مطار حلب الدولي، ما يعني أنّ تونس ليست استثناء.
وفي هذا السياق، قالت وزارة الخارجية الأمريكية اليوم- في معرض ردها على بعض التقارير الصحفية حول العقوبات الأمريكية: “يهمنا التوضيح بأنّ العقوبات (قانون قيصر) تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري، ولن نمنع أي دولة من تقديم هكذا مساعدات”.
في مقابل ذلك، أكّد مراقبون أنّ تدوينة الجرندي على فيسبوك- التي تحدث فيها عن مكالمته الهاتفية مع نظيره السوري، فيصل المقداد- قد تكون سببا في انزعاج بعض الأطراف في رئاسة الجمهورية، التي رأت فيها انحيازا لسوريا، في الوقت الذي كان يفترض أن تكون تونس في موقف وسط من الدولتين، التركية والسورية، اللتين ضربهما الزلزال بشكل متواز.
وقال الناشط السياسي عدنان منصر في تدوينة على فيسبوك: “رغم خبرته الدبلوماسية والسياسية ومعرفته بالعلاقات الدولية وتوازنات القوّة، يبدو أن الوزير المقال لم يدرك حدود الخطاب السيادي لرئيس الجمهورية وخطوطه الحمراء في علاقة بالملف السوري وإعادة بناء العلاقات التونسية السورية”.
متابعا: “ذلك أن المسموح به هو الحديث عن إعادة تلك العلاقات، أما إعادة العلاقة مع سوريا فعليا على أرض الواقع، لا يتعدى كونه شعارا يستخدم وعدا انتخابيا وأداة من أدوات التعبئة السياسية والتنويم الجماهيري لا أكثر”.
وفي هذا السياق، يشدّد المتابعون للشأن السياسي المحلي على أنّ وزير الخارجية عثمان الجرندي تكلم في تدوينته “نيابة عن الرئيس بما لا يريده الرئيس و حكومته”.
زيارة أمريكا والأزمة الاقتصادية
وفي ما يتعلّق بإمكانية توفر أسباب أخرى للإعفاء، قال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن” إقالة وزير الخارجية عثمان الجرندي جاءت باعتقادي بسبب فشل الدبلوماسية التونسية في تحقيق أهدافها”.
وأضاف العبيدي أنّ “الإقالة تأتي بناءً على نتائج السياسة الخارجية التي جعلت تونس معزولة، ومنذ عامين تقريبا لم يغادر سعيّد البلاد في زيارات خاصة ولقاءات ثنائية، وأغلب اللقاءات والزيارات كانت متعددة الأطراف، مثل ما حصل في زيارة الولايات المتحدة الأميركية “.
وأشار الدبلوماسي الأسبق إلى أن “كل ما حصل من خيبات أمل في هذا اللقاء حُسبت طبعاً على الجرندي، لأن الرئيس التونسي لم يُستقبل من نظيره الأميركي جو بايدن، وإنما من طرف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وهذا استنقاص دبلوماسي، بالإضافة إلى طبيعة الاجتماع التي أخذت شكل المحاسبة تقريباً”.
وكان ناشطون سياسيون أكّدوا في وقت سابق أنّ قيس سعيّد، أعد إقالة الجرندي منذ فترة طويلة، بعد فشله في تسويق صورة تونس ما بعد 25 جويلية في خارج، والنتائج الكارثية لزيارة الرئيس إلى واشنطن.
وتؤشر إقالة الجرندي- أحد الأعمدة الصلبة في نظام سعيّد- إلى فشل مسار الرئيس خارجيا خاصة في ما يتعلّق بوضعيتها المالية والاقتصادية والتصنيف الأخير لوكالات التصنيف الئتماني الذي يمكن أن يمس من سمعة البلاد لدى الجهات المانحة، إلى جانب تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالتوازي.
ويتهّم المعارضون الرئيس بالعجز عن إدارة الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد جراء العطب السياسي وتعطل رافعات النمو، ونتيجة الجمود شبه التام في حركة “الدبلوماسية الاقتصادية”.
تعديل وزاري
بعيدا عن الروايتين السابقتين، يرى مختصّون في الشأن الدبلوماسي أنّ قرار الإقالة يندرج في الواقع، ضمن حركة تعديل وزاري واسعة سيعلن عنها قيس سعيّد تباعا، تمهيدا لتمرير شخصية جديدة في القصبة تعوّض نجلاء بودن، ضمن خطوات الترتيب للمرحلة المقبلة.
وتأتي هذه الخطوة، وفق مراقبين، ضمن مساعي سعيّد لعدم الاعتراف بفشل إدارته مرحلة ما بعد 25 جويلية رغم إجراءاته الاستثنائية وإقراره الدستور ونتائج الانتخابات التشريعية.
وفي هذا السياق، قال عبد الله العبيدي، الدبلوماسي السابق، إنّ إقالة وزير الخارجية لم يكن أمرا مفاجئا، لأنّ القرار متوفر منذ فترة بعيدة”.
وأضاف العبيدي، أنّ الإقالة تندرج ضمن سلسلة الإقالات السابقة في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي في البلاد، وتصاعد حالة الرفض الشعبي لسياسته.
ويدعو موالو الرئيس قيس سعيّد إلى إقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن، محمّلبن إياها ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فيما تقول المعارضة إنّ هذه الدعوات تأتي في سياق محاولة إيجاد شماعة يعلّق عليها فشل الرئيس ومساره.