الثورة وظل البوعزيزي: لماذا يتعرض رمز الثورة التونسية للشيطنة واللعنات اليوم؟
tunigate post cover
تونس

الثورة وظل البوعزيزي: لماذا يتعرض رمز الثورة التونسية للشيطنة واللعنات اليوم؟

2021-01-15 11:48

بعد مضي 10 سنوات عن ثورة تونس، لم تعد شخصية محمد البوعزيزي تمثل مصدر إلهام للثورة التونسية بالنسبة للبعض، فالشخصية التي أحيطت في الماضي بزخم “ميثيولوجي” من البطولة والتقديس والاحترام هو “البائع المتجول الذي أسقط ديكتاتور التحول”، و”صاحب عربة الخضار التي أشعلت الثورة”، تتعمد اليوم فئة من التونسيين شيطنة البوعزيزي والسخرية منه ومن أسرته التي تعيش لاجئة في كندا. من حوّل الأيقونة إلى شماعة تُعلق عليها خيبات الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وعجزها عن خلق طفرة اقتصادية حلم بها التونسيون بعد سقوط نظام بن علي؟

خلال السنوات الخمس الأخيرة، تحولت ذكرى اندلاع الثورة التونسية يوم 17 من ديسمبر، وسقوط النظام السابق يوم 14 جانفي 2011، إلى مرادف لدى فئة من التونسيين لاستحضار البوعزيزي وشيطنته، بل حتى لعنه.

من الرمزية إلى التهجم والنقمة 

مئات من التدوينات الساخرة  تعكس مواقف متشائمة وآراء سوداوية من الوضع، لا تتورع عن السخرية من شخصية البوعزيزي وتحميله مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع البلاد، من تدهور بعد عشر سنوات من إضرام الشاب النار في نفسه، منذراً بلعنة نزلت على نظام كان يوصف بشديد البأس والصلب.  

لم يغادر ظل البوعزيزي الذاكرة الجمعية، لكنه تحول إلى طيف أسود، وشماعة يعلق عليها جزء من التونسيين إحباط عشر سنوات من الثورة وأوضاعهم المتدهورة.

بعد عقد من الانتقال الديمقراطي والتحولات المتسارعة التي عرفتها تونس، تقلصت رمزية البوعزيزي، ولم يعد يحظى بالإشادة أو الذكر بين النخب السياسية وفي الشارع التونسي، مثلما كان، وظهرت منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تحاول تشويهه وتحميله وزر نكسات تونس المالية اليوم رغم رياح الحرية والديمقراطية وحرية التعبير التي سمحت لهم بالتعبير بعد سقوط نظام بن علي.

الهجمة على ذكرى البوعزيزي تترجم موقفا غاضبا من فئات من انتماءات مختلفة، كرد فعل على فشل تجسيد الشعارات الاجتماعية والاقتصادية للثورة، والمرتبطة بالشغل والتنمية والكرامة، وسط شعور عام بأن الأوضاع المعيشية ازدادت سوء بسبب الغلاء واستفحال البطالة. وفي الآن ذاته هناك محاولة لإنكار موجة الكراهية تجاه البوعزيزي،

“في ذكرى الصفعة التي أدخلت البلاد في دوامة” “لو علمنا مال الأمور لقطعنا عنه البنزين”، و”الشخص الذي يدعي عليه التونسيون كل يوم”، نماذج من التعاليق الناقمة تنتشر بين صفحات فيسبوك في تونس بمناسبة ذكرى الثورة، وتعبر عن مواقف يصفها البعض بكونها “غوغائية وشعبوية” تعمل على ترذيل الثورة التونسية والإساءة إلى القيم التي كرستها. فيما يحيي الكثيرون ذكرى الثورة بالكثير من الفخر والاعتزاز مستحضرين روح من كان سببا باندلاعها: البوعزيزي.

بين التمعش ونقمة التونسيين

عائلة البوعزيزي تحولت بدورها إلى هدف للانتقادات بل الثلب، والدته وشقيقته ليلى انتقلتا للإقامة في كندا منذ سنوات، اليوم هما عرضة للتعاليق السلبية والانتقادات الشديدة التي تصفهما بـ “الوحيدتين المستفيدتين من ذكرى البوعزيزي بعد أن حصلتا بفضله على حق اللجوء خارج تونس”.

“المتمعشتان الحقيقتان من الثورة”، “لو علمت أمه وشقيقته أن وضعهما سينقلب إلى هذه الصورة لسارعتا إلى قتله من زمان”، “أم البوعزيزي وأخته من كندا تبلغان تحياتهما للشعب التونسي بعد تركهما البلاد عرضة للمعاناة والفوضى السياسية”، هذه نماذج من تعليقات قاسية بحق ما تبقى من أسرة البوعزيزي، لا تخلو من الحقد على الأم والأخت.

السخرية السوداء أو النقمة على ثقافة الثورة؟

 الكاتب والمحلل السياسي أيمن الزمالي في تصريح لبوابة تونس يتحدث عن محاولة تحقير الثورة و قيمها  وطمس إيجابياتها.

الزمالي اعتبر أن التدوينات تعكس حالة من السخرية السوداء من جانب التونسيين، سواء من بعض أنصار النظام السابق والتيارات الشعبوية، وحتى من ضمن فذ{ داخل القوى المؤمنة بالثورة نتيجة الإخفاقات وغياب الانجازات.

محدثنا أقر بتراجع مكانة البوعزيزي في الذهنية التونسية، “فلم يعد يحظر إلا لماما، وتحولت ذكراه على الصعيد الجمعي إلى نموذج يختزل حصاد الثورة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي”، وهو ما يفسر الانتقادات التي تتعرض لها شخصيته كنوع من التصعيد تجاه الإحباط من إخفاقات المسار الثوري.

“لا تلغي هذه الانتقادات أو السخرية مكانة البوعزيزي التاريخية ، برغم التحفظات الشعبية المرتبطة بعائلته، والمتهمة بالتمعش والاستفادة من ابنهم”، يضيف الزمالي، فالتاريخ سيحفظ له مكانته الرمزية في مسار الثورة وتاريخها معتبرا أن النظرة السلبية إلى الرجل قد تتغير مستقبلا، من منطلق ما ستفرزه التحولات السياسية والوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس.   

عناوين أخرى