تونس لايف

التنمية في الشمال الغربي.. الخلاص في السياحة الخضراء

“السياحة البديلة” توجّه يحلّ محلّ سياحة الفنادق والشواطئ في مناطق الشمال
بمروجها الخضراء الممتدة وجبالها الشامخة التي تكاد تلامس السحاب، تلتقي عناصر الطبيعة في تناغم وانسجام لتكتمل ملامح مشهد بديع ساحر في ربوع الشمال الغربي التونسي.
كجنة على الأرض.. أصبحت مناطق الشمال الغربي متنفّسا لعديد الزوار الفارّين من “عجقة” المدن بحثا عن الراحة والهواء النقي ووجهة تجذب عددا من السياح وتأخذهم في رحلة بين أشجار الزان والفرنان وعبر عبق الريحان والزعتر وروائح إكليل الجبل والشيح والصنوبر.
وظلت ولايات الشمال الغربي على مدى سنوات “مهمّشة” سياحيا رغم ما تزخر به من أرض خصبة وسهول ممتدة وغابات لا متناهية واقتصرت أنشطها على كل ما له علاقة بالزراعة بشكل خاصّ، فكانت المزوّد الأساسي للبلاد مما تنتجه من خيراتها من قمح وشعير وغيرها من الحبوب ومنبعا يضخ المياه لباقي المحافظات.
ويمتد الشمال الغربي التونسي على مساحة تقدّر  بـ16 ألفا و565 كيلومترا، أي ما يعادل 10% من مساحة البلاد التّونسية التي تبلغ 163 ألفا و610 كيلومتر مربّع.
وطالما تركّزت السياحة التونسية على مدى عقود مضت على السواحل الشرقية لتونس وكانت الشواطئ والفنادق والنزل الفاخرة أهم عناصرها، لكن اختيارات السياح في الفترة الأخيرة بدأت تنزع نحو “السياحة الخضراء” خاصة بالتزامن مع فصلي الشتاء والرّبيع.
وبرز هذا الصنف من السياحة الذي يسمّى أيضا بـ”السياحة الإيكولوجية” أو “السياحة البديلة” شكلا من أشكال الأنشطة الصديقة للبيئة والمتضامنة التي تعمل على تنمية اقتصادات المناطق الداخليّة والرّيفية وتنشيط الحركة التجارية هناك وتشجيع أصحاب الحرف والمهن الصغرى.
وسعى عدد من باعثي المشاريع في الآونة الأخيرة إلى استغلال نزوع الزوار نحو “الوجهات الخضراء”، بإحداث “ديار ضيافة” يعيش فيها الزائر طوال أيام إقامته على نسق الحياة البسيطة ويستمتع بمعالم الطبيعة الغناء ويستكشف المحميات الطبيعية أو يمارس رياضة المشي أو تسلق الجبال.
كما تكون له فرصة الإقامة بالقرب من مراكز استفاء بمياه الينابيع والأعين العذبة التي تتدفّق من جوف سفح جبل فتساهم في علاج آلام المفاصل والعظام أو علاج طبيعي يهدّئ الأعصاب.
ووفق بيانات وزارة البيئة التونسية، فإنّ مصطلح “السياحة الخضراء” أو “السياحة البيئية”، المعتمد في البلاد منذ عقود، يقترن بجملة من المبادئ أهمها أنه منتوج سياحي مسؤول وذو تأثيرات محدودة على البيئة، كما أنه يضفي فوائد للمجتمعات المحلية، ويكرّس مفهوم السياحة المستدامة.
**خلق حركية نشطة
ويقول الناشط البيئي زياد الملولي في تصريحه لبوابة تونس، إنّ “السياحة بالشمال الغربي بما يحمله من طابع جمالي يضاهي في طبيعته كثيرا الجانب الأوروبي أو الجزائري من حيث الاخضرار والجبال الباسقة والسهول الممتدة ظلت موسمية وغير متطورة ومقتصرة فقط على تساقط الثلوج عبر زيارات تؤَدّى إلى تلك المناطق التي تشمل عددا محدودا من النزل مقارنة بولايات أخرى”.
ويضيف الملولي وهو ناشط بالمجتمع المدني أنه “كان من المفترض أن تكون هناك لفتة لتلك المناطق الجميلة الأشبه بجنة على الأرض، عبر بعث مشاريع تحيي الاقتصاد بها أكثر على غرار إحداث القاطرات المعلقة التي تربط بين الجبال (التيلفيريك) أو تخصيص قطار سياحي يخلق حركية سياحية وتنموية نشطة”.
واستدرك بالقول: “رغم ما يميّزها إلّا أنٍ مناطق الشمال تفتقر إلى بنية تحتية ووسائل نقل قادرة على نقل الزوار أو السياح خاصّة بين الجبال الوعرة”.
وأشار إلى أنّ الزوار يساهمون في خلق حركية اقتصادية بالمنطقة وتنشيط التجارة بها وتشجيع أصحاب المهن الصغيرة والحرف التقليدية عبر اقتناء بعض التحف التذكاريّة.
**إرادة سياسية
وشدّد على ضرورة أن تكون هناك إرادة سياسية حتى تصبح هذه المناطق قطبا سياحيا كبيرا يخلق مواطن شغل ووظائف جديدة عبر تشجيع فئة الشباب على بعث شركات ذات توجّه سياحي تساهم في تنمية المنطقة عبر زيادة أعداد الإقامات والمطاعم التقليدية.
وتابع: “يجب أن تسلّط الأضواء على هذه المناطق ونأمل أن يكون هناك توجّه شامل لإحياء السياحة بالشمال الغربي وخلق مشاريع جديدة ما سيمكّن بدوره من النهوض بالجانب الاجتماعي لمتساكني هذه المناطق الذين تعاني نسبة مهمة منهم الفقر نتيجة قساوة المناخ”.
وأوضح الملّولي أنّ “صعوبة ظروف الحياة تكمن خاصة مع فصلي الشتاء والصيف فقد يمثل تساقط الثلوج متعة للبعض، فيما يكون قاسيا للأهالي الذين يعيشون في عزلة نتيجة تراكم الثلوج وعدم القدرة على التنقل أو توفير أبسط مقومات الحياة، أما فصل الصيف في هذه المناطق فيهدّد غاباتها بالحرائق التي تأتي على الأخضر واليابس”.
وخلص الناشط إلى ضرورة تحسين مستوى العيش لتخطّي كل تلك الصعاب عبر التفكير مليّا في الاستثمار وتوفير بنية تحتية وهو أولوية لإزاحة كل العقبات أمام باعثي المشاريع.
ولفت الملولي إلى التعطيلات التي تعيق إقامة هذه المشاريع والتي عادة ما تكون مرتبطة بالبروقراطية “المقيتة”، وهو ما يستوجب التنسيق بين مختلف الوزارات حتى لا يحدث تعطيل ويتخلّى الباعث عن مشروعه ويتوجّه إلى مناطق وولايات أخرى.
**وجهات بديلة
من جانبها، اعتبرت الناشطة البيئة أسماء زليمة أنّ عدة عوامل جعلت مناطق الشمال الغربي تستقطب زوارا وتجذبهم إليها، منها ما هو نفسي سيما مع ما نعيشه اليوم من نسق حياة صعب وضغوط يومية دفعت بالشباب نحو السياحة البيئية التي تقوم أساسا على المغامرات بالغابات وزيارة المناطق الخضراء عوض السفر إلى وجهات أجنبية.
وتابعت زليمة، وهي منسّقة مشروع حملات النظافة في جمعية “تونس كلين أب”، أنّ “ثقافة التخييم والرحالة انتشرت كثيرا في السنوات الأخيرة ما خلق حركية مهمة بمناطق طالما اتسمت بالسكون والهدوء”.
وشدّدت على أنّ إحياء هذه المناطق اقتصاديا يتطلّب دعما ماديا مهما من أصحاب الأفكار الخضراء لإحداث مشاريع تنهض بها خاصة أنها عانت التهميش لسنوات.
وأضافت زليمة أنّ ديار الضيافة المطلة على السهول والجبال أصبحت الوجهة المفضّلة لدى الكثيرين وغيّرت العقلية لدى الزوار والسياح فحلّت محلّ الإقامة في فنادق قد تكون تكاليفها باهظة.
وهي من المشاريع التي يجب -برأيها- أن تكثّف حتى تخلق مواطن عمل جديدة في الشمال الغربي.
وجلبا لفئات شابة من السياح يمكن إحداث مراكز تخييم وهو مشروع مهم يشجّع محبي المغامرة على الاتصال بالطبيعة والتجول في ربوع الشمال الخضراء، وذلك يدخل ضمن حلقة اقتصادية تنشّط المنطقة أكثر.

معتقلو 25 جويلية