رياضة

التلاعب بالنتائج…كابوس يشوّه الكرة التونسية

من جديد، تثار قضية التلاعب بالنتائج في الكرة التونسية، فشبهات خرق القانون والميثاق الرياضي تبدو قوية هذه المرة بعد ما حصل في ملعب جرجيس بالجنوب التونسي مساء الأحد 29 ماي/أيار، خلال مباراة ترجي جرجيس وأمل حمام سوسة في ختام مرحلة تفادي النزول إلى الرابطة المحترفة الثانية.

المباراة انتهت بعد أكثر من 100 دقيقة عن بدايتها، وأثارت غضب الرأي العام الرياضي وعجلت باجتماع الجامعة التونسية لكرة القدم. اجتماع انتهى بتدويل الملف لدى الاتحاد الدولي فيفا وإحالته على النيابة العمومية التونسية.

ولا يبدو هذا إجراءً كافيا لغلق القضية وحماية صورة الكرة التونسية من “الفضيحة”، خاصة وأن التلاعب بالنتائج لم يعد مجرد حادثة عابرة بل أصبح ظاهرة تشوّه اللعبة في البلاد، وهي في غنى عن ذلك.

“فضيحة بالمكشوف”

يتداول نشطاء التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في تونس وخارجها، مقطع فيديو يوثق الهدف الذي سجّله فريق أمل حمام سوسة في مرمى ترجي جرجيس في الدقيقة 101، فأنقذه من الهبوط إلى الدرجة الثانية، بكثير من السخرية والتندر خاصة في علاقة بتعامل لاعبي ترجي جرجيس مع الهدف وبالهتافات الصادرة عن جماهير الفريق الداعية إلى السماح للفريق المنافس بتسجيل الهدف.

وتتمثل شبهة التلاعب بالنتيجة في أن فريق ترجي جرجيس قد يكون تعمد قبول هدف التعادل لإنقاذ أمل حمام سوسة من النزول والتسبب مباشرة في سقوط فريق نجم المتلوي المنافس المكتفي بالتعادل أمام الأولمبي الباجي، نكاية به بعد أحداث العنف التي شهدتها مواجهتهما في الجولة الماضية.

في الحقيقة، شبهة النوايا المبيتة لدى فرق مرحلة تفادي النزول (ترجي جرجيس والأولمبي الباجي وأمل حمام سوسة ونجم المتلوي) كانت جلية للجميع منذ البداية، وكأن هذه الفرق المتنافسة كانت تدرك أن النتيجة لن تحسم على أرضية الملعب وتستعد لمخالفة الميثاق الرياضي.

في مناسبة أولى رفضت هذه الفرق مقترح الجامعة باعتماد تقنية الفيديو في مبارياتها، وفي مناسبة ثانية أعلن ترجي جرجيس قبل مباراة الجولة الأخيرة عدم بث المباراة على الصفحة الرسمية للفريق، ما جعل البعض يتحدّث عن نية التلاعب بالمباراة قبل انطلاقها وأجبر إدارة الفريق على التراجع.التسيّب يفسح المجال أمام الخطإالتلاعب بالنتائج ظاهرة دخيلة على الملاعب التونسية، لكنها في السنوات الأخيرة انضمت إلى العيوب التي تشوّه الكرة التونسية.

نذكر جيدا سنة 2014 قضية التسجيلات الصوتية بين لاعبي شبيبة القيروان والنادي البنزرتي ثم المباراة الشهيرة في الرابطة الثالثة بين مستقبل المحمدية والنجم الرادسي (الرابطة الثالثة) انتهت حينذاك بنتيجة 7 مقابل 7 في تلاعب مفضوح بنتيجتها عن طريق الرهان الرياضي من قبل لاعبي الفريقين.

وللسبب نفسه فتحت جامعة كرة القدم تحقيقا جديا في مباراة شبيبة القيروان وقوافل قفصة العام الماضي، إذ اتهم الفريقان بالمراهنة على نتيجة المباراة التي انتهت بـ 3 مقابل 1.

وفي مناسبات عديدة يتداول الجمهور والإعلام أنباء عن مباراة متّفق على نتيجتها قبل انطلاقها.تواتر هذه القضايا دون الحسم فيها ومعاقبة المذنبين، يعتبره الناقد الرياضي والصحفي فتحي المولدي سببا رئيسيا في تفشي الظاهرة وتمادي الأندية في خرق الميثاق الرياضي.

وحمّل المولدي المسؤولية في ذلك للجامعة التونسية لكرة القدم، بصفتها المشرف على هذه الرياضة في تونس، وقال إنها لم تقم بواجبها ولم تتخذ الإجراءات الرياضية التأديبية واحتمت بإحالة الموضوع على النيابة العمومية.وأضاف محدثنا أن القانون بريء من تجاوزات الهياكل الرياضية وتهاونها، قائلا: “في تونس عوض الحديث عن إنجازاتنا أصبحنا نعدد الفضائح”.

وأشار فتحي المولدي إلى أنه كان على الجامعة تولي الموضوع بنفسها استنادًا إلى القوانين التي تنظمها دون اللجوء إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم.

مسؤولية الجامعة وهياكلها في تفشي الظاهرة الخطيرة، أكّدها الصحفي الرياضي بصحيفة الشروق التونسية سامي حماني حين قال إن الكرة التونسية تعاني من عدة هنات، لكن التأهل إلى مونديال قطر وبعض إنجازات الأندية تغطي عيوبها في حين أن الواقع خطير ومخجل، وفق قوله. وأضاف إن: “المنتخب هو الشجرة التي تخفي الغابة في الكرة التونسية”.

حماني تحدث لبوابة تونس عن سياسة الكيل بمكيالين المنتهجة من قبل جامعة كرة القدم باعتبار أنها تفتح التحقيقات في ملفات وتغض الطرف عن أخرى.وتساءل حماني عن سبب عدم التحقيق في نتائج الجولة الأخيرة من البطولة في الموسم الماضي، من بينها تعادل النجم الساحلي والأولمبي الباجي بنتيجة أربعة مقابل أربعة وهزيمة الترجي الرياضي البطل على أرضه انتهت بنزول الملعب التونسي إلى الرابطة الثانية.

وأشار الصحفي التونسي إلى الشبهات التي تحوم حول التحكيم التونسي رغم وجود تقنية الفيديو وقال إن الصافرة مساهمة في فقدان المنافسة الرياضية نزاهتها.

وداعا للميثاق الرياضي

من عوامل انتشار ظاهرة التلاعب بالنتائج غياب الميثاق الرياضي في صفوف المتداخلين في اللعبة من حكام ومسؤولين ومدربين وأندية ولاعبين.إذ يقول محكّم سابق بالمحكمة الرياضية التونسية (cnas) رفض الكشف عن هويته لواجب التحفّظ، إن التلاعب بالنتائج شائع في الأقسام السفلى بشكل فاضح دون رقيب ولا حسيب، حسب تعبيره.

أشار مصدرنا إلى خطورة دخول شركات الرهان الرياضي في المشهد واعتبرها كابوسا عكّر الأجواء ووفر الأرضية الملائمة للدخول في مراهنات على نتائج رياضية وقال:”سابقا كان اللاعبون يحتجون على عدم خلاص أجورهم بالإضراب عن التمارين، لكن حاليا أصبح اللاعبون يحصلون على الأموال بطريقة مختلفة عبر المراهنة على نتائج المباريات”.

ورد رجل القانون الرياضي انتشار الظاهرة إلى وجود عدة شركات المراهنات دون خضوعها لرقابة من الدولة.وعاد الصحفي سامي حماني لوصف الوضع بالإفلاس القيمي الذي أصاب المشهد الرياضي واعتبره أمرا منذرا بالخراب في الملاعب التونسية، فتخلى الجميع عن الميثاق الرياضي وهو أساس اللعبة وفخر الرياضي.

تبعات خطيرة

وعما يمكن أن ينجر عن مثل هذه القضايا، أفاد رئيس المحكمة الرياضية التونسية السابق بأنه في حال ثبتت تهمة التلاعب بالنتائج، فإن الفرق المتورطة ستعاقب بالنزول إلى الأقسام السفلى وقد تشمل العقوبات الجامعة التونسية لكرة القدم في حال اكتشفت لجنة الأخلاقيات بالفيفا تفشي ظاهرة التلاعب بالنتائج، وفق تعبيره.

وأشار سامي حماني إلى خطورة تضامن بعض الأندية مع أندية دون أخرى مثلما حصل مع “ترجي جرجيس الذي أنقذ أمل حمام سوسة من النزول نكاية بنجم المتلوي”.

وعاد للتذكير بالعداوة التي اندلعت بين فريقي الملعب التونسي ومستقبل المرسى قبل أربع سنوات بسبب مباريات تفادي النزول وقال إن الوضع قد يتطور إلى تهديد السلم الاجتماعي.

وفي هذا الإطار يعتبر سامي حماني أن المكتب الجامعي برئاسة وديع الجريء قد فشل في السيطرة على الوضع وإدارة اللعبة بشكل جيد وعليه الرحيل.

كما دعا الناقد الرياضي فتحي المولدي السلطات المشرفة على الرياضة إلى حماية القطاع من هذه الظواهر الخطرة وقال إن تدخل الدولة جائز في هذه الظروف ولا يعد تدخلا سياسيا في الشأن الرياضي، وفق قوله.