وسط العاصمة وبين أحيائها العتيقة كانت نشأة أقدم فريقيْ كرة قدم بداية القرن العشرين سنة 1919 حيث تأسّس الترجي الرياضي في حي باب سويقة وبعد سنة ظهر إلى الوجود فريق النادي الإفريقي في باب جديد. مبكرا خُلقت ندية ومنافسة شديدة بين الجارين وسرعان ما كسبا أحباء ومشجّعين يرتادون مبارياتهم في الملاعب ويتحمّسون لمتابعتهم، شغف تطوّر عبْر الزمن فأصبح نزاعا رياضيا يغذّيه الانتماء ونتائج وتنافس الفريقين طيلة قرن من الزمن.
الدربي تاريخ حافل بالمنافسة
اكتسب دربي العاصمة بين الترجي الرياضي والنادي الإفريقي شعبية واسعة بين الجماهير الرياضية سيما في العاصمة تونس منذ انطلاق نشاط البطولة التونسية لكرة القدم قبيل الاستقلال.
كانت المواجهة الأكثر حماسية وتنافسية بسبب القرب بين معقل النادييْن ولعبهما في نفس الملعب، ملعب الشاذلي زويتن أو المنزه. لعب الترجي والإفريقي من أجل الألقاب غذى العداوة الرياضية فكانت المنافسة شديدة خلال المواجهات المباشرة وكانت الأحياء تتهيأ قبل أيام للموقع المرتقب بتزيين الشوارع بألوان الفريقيْن وتذاع أهازيج وأغاني الجماهير وتدور حوارات ونقاشات حامية الوطيس بين أحباء الفريقيْن في المقاهي خاصة.
مثّل دربي العاصمة تونس ولا يزال إحدى أهم الأحداث الرياضية التي تشدّ الرأي العام وتشغل الناس في كامل تراب الجمهورية نظرا لامتداد شعبية الترجي والإفريقي. جماهير تسهر على إعداد « تيفو » دخلة تزيين المدرّجات وإعلام يتحدّث ويحلل ويقيّم ولاعبون في أقصى درجات التركيز والتأهّب.
أهمية الدربي جماهيريا كانت تفرض على الدولة اتّخاذ إجراءات مرورية استثنائية لتيسير تدفّق الجماهير بالآلاف إلى الملعب وتستعدّ قوات الأمن بشكل خاص لتأمين المباراة الأكثر شعبية في الكرة التونسية.
داخل الملعب تنطلق المنافسة من المدارج والعرض الجماهيري المعروف بالدخلة قبل صافرة البداية. كل جمهور يسعى لتقديم العرض الأجمل والأكثر تعبيراً عن الريادة وتبليغ رسائل لا تخلو من مشاكسة وأحيانا سخرية واستفزاز.
صخب الجماهير يزيد من درجة حرارة الملعب ويشحن اللاعبين من الجهتيْن من أجل تقديم أفضل مستوى والقتال من أجل الانتصار. وهكذا تمرّ مباريات الدربي في درجة توتّر عالية وتنافسية شديدة وأعصاب مشدودة ورغبة جامحة في افتكاك الانتصار.
لا يعيش مواجهة الترجي والإفريقي فقط اللاعبون والحاضرون في الملعب، بل إنّ لقاء الأجور يُعاش في الأحياء والمقاهي وداخل العائلات تنشب نقاشات حادة بين الأصدقاء في مقهى وبين أفراد العائلة الواحدة وكل يدافع عن ألوان ناديه بحجج لا تخلو من حدّة وطرافة.
يتواصل دربي الترجي والإفريقي بعد صافرة النهاية ومهما كانت النتيجة فإنّ الجدال والنقاش بين الجماهير لا ينتهي. يعاد تحليل تفاصيل المباراة، يتباهى المنتصر بنصره ويدافع المنهزم عن فريقه بما أوتي من حجج.
دربي مزدحم بالأرقام
في بطولة تونس التقى الترجّي الرياضي والنادي الإفريقي في 132 مناسبة آل فيهما النصر للترجيّين في 53 مناسبة، في حين فاز فريق الشعب النادي الإفريقي في 30 مباراة وحكم التعادل 49 مباراة.
هزت شباك دربي العاصمة في 278 مناسبة كان فيها النصيب الأوفر لفريق الأحمر والأصفر بـ 157 هدفاً و 121 هدفا سجلها مهاجمو النادي الإفريقي.
شارك لاعب الترجي الرياضي السابق طارق ذياب في أكبر عدد من مباريات الأجوار أمام الإفريقي في 29 مباراة في حين لعب حارس مرمى الإفريقي السابق الصادق ساسي عتوقة 27 لقاء أمام الترجي.
أما هدّافو الدربي فنجد حسن بعيو من جانب النادي الإفريقي بتسع أهداف وعبد الجبار ماشوش من الترجي بسبع أهداف.
من الأرقام التي حفظتها ذاكرة الدربي الانتصارات العريضة لكلا الفريقيْن والتي تستحضرها الجماهير في التباهي بتفوّق فريقها. حقّق الترجي نتيجة 4-0 في ثلاث مناسبات أمام الإفريقي. في حين كانت أعرض انتصارات الإفريقي على الترجي سنة 1977 بنتيجة 5-2 وسنة 1985 بنتيجة 5-1.
واقع مختلف للدربي والفريقين
يتفق الجميع اليوم في تونس على أنّ مواجهة الترجّي الرياضي والنادي الإفريقي لم تعد بالصخب والحماس السابق وفقدت توهّجها وبريقها ولم تعد تشغل الناس مثل ذي قبل وتراجع اهتمام الجماهير منذ ثورة تونس 2011.
يقول أمين ومهدي أحدهما مشجع للإفريقي والآخر محب للترجي: إنّ التغييرات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية أثّرت على اهتمامات الجمهور الرياضي وقلّ شغفه بالرياضة ولم تعد كرة القدم أولوية التونسي في ظل صعوبة المعيشة.
كما أنّ قرار لعب المباريات دون حضور جمهور أو دخول جمهور فريق واحد وبعدد محدود أفقد دربي العاصمة التونسية متعته وأجواءه الخاصة، حيث لم تعد المواجهة بذلك الحماس.
الترجي والإفريقي يتباريان الأحد 31 جانفي ضمن الجولة 11 من بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم بملعب رادس. الترجي يستعين بخبرة لاعبيه وجاهزيته من أجل المحافظة على صدارة الترتيب وتجاوز غريمه التقليدي. في حين يريد النادي الإفريقي تضميد جراح أزمته المادية والإدارية والرياضية من بوابة الدربي ويسعى لتحقيق نتيجة إيجابية تعيد الثقة لجماهيره العريضة وتعطيه شحنة لانطلاقة جديدة تقفز به من قاع ترتيب البطولة.