رأي

البقرة الضاحكة، هل تواصل الضحك؟ عن حملات مقاطعة البضائع الفرنسية

وجدان بوعبدالله

في غضون ساعات اختفت أجبان كيري وبابيبيل الفرنسية من على رفوف محلات تجارية في الكويت بعد قرار 60 شركة تجارية كويتية مقاطعة البضائع الفرنسية منضوية تحت راية واحدة شعارها: حملة مقاطعة فرنسا. حملة المقاطعة الأوسع انطلقت من دول خليجية والأردن وتركيا وإيران. الحملة انطلقت بشكل عفوي على مواقع التواصل احتجاجاً على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة للإسلام وللنبي محمد.
يروي مسؤول تجاري كويتي يدعى خالد العتيبي لفرانس برس كيف شملت المقاطعة في الكويت مستحضرات التجميل الفرنسية كذلك، ولم تقتصر على المواد الغذائية. نتحدث هنا عن مستحضرات قيمتها آلاف اليوروات في واحدة من أكثر أسواق الخليج استهلاكا لمواد التجميل الباريسية.
يمثل استهلاك الكويت والسعودية من المواد الفرنسية حوالي نصف الاستثمار الفرنسي. حجم المعاملات التجارية بين الرياض وباريس تجاوز أكثر من 10 مليارات يورو. وتعتبر فرنسا ثالث أكبر مستثمر أجنبي في المملكة العربية السعودية.

حملة مقاطعة البضائع الفرنسية وصفتها الخارجية الفرنسية في بيان مساء الأحد 25 أكتوبر بأنها “من صنع أقلية متطرفة” وطالبت بوقفها في الدول العربية، بصيغة الأمر ورد كل ذلك.

في عددها الصادر الأحد 25 أكتوبر، تقول صحيفة لوموند الفرنسية إن شركة الميرة للمواد الاستهلاكية في قطر سحبت جميع المنتجات الفرنسية من جميع فروعها استجابة لرغبة العملاء.
وتنقل الصحيفة عن مراسل فرانس برس في الدوحة أنه شاهد عمال محلات الميرة يسحبون أجبان علامة سان دلفور الفرنسية من على الرفوف في سياق حملة المقاطعة. كذلك قررت جامعة قطر تأجيل الأسبوع الثقافي الفرنسي أسوة بمقاطعي المنتوج الفرنسي حتى الثقافي منه.

لوموند حذرت من تداعيات هذه المقاطعة لا سيما في الكويت وقطر والسعودية التي تمثل سوقاً كبيرة للصناعات الغذائية الفرنسية.

لاكروا: فرنسا حررت الكويتيين من الغزو
في المقابل تقول صحيفة لاكروا الفرنسية ذات التوجه الكاثوليكي المتدين في عددها الصادر 26 أكتوبر على لسان رجل اقتصاد “يجب عدم التعاطي بجدية مع حملة المقاطعة، على الأقل يجب عدم المبالغة بتأثيراتها”. ويبرر هذا الاقتصادي تقييمه للمقاطعة بأن معظم المواد والخدمات التي تبيعها فرنسا للدول العربية تشتريها الحكومات العربية أو الشركات التابعة لها. وينفي الاقتصادي أن تشمل حملة المقاطعة اتفاق شراكة بين سكك الحديد الفرنسية والمغربية أو صفقات بيع القمح للجزائر ومصر. يقول الخبير الاقتصادي إن “الزبائن العرب المتعودين على العلامات الفرنسية الفخمة مثل ديور ولوي فيتون وغيرها “غير قادرين على الاستغناء عنها، في المقابل، مواد غذائية مثل المياه أو الأجبان يمكن أن تتأثر لأن مقاطعتها ستكون هنا رمزية ومحدودة زمنياً”. يقول هذا الاقتصادي “إذا ما راجعنا حملات المقاطعة السابقة سنرى أنها لم تنجح” مستشهداً في هذا السياق بالمنتجات الإسرائيلية أو من جنوب أفريقيا. وخلص إلى القول بأن “المقاطعة هي سلاح الضعيف تنتهي بإيذاء من أطلقها”.
واستجوبت الصحيفة رئيس قسم الشرق الأوسط في معهد الدراسات والإحصاء الفرنسي الذي اعتبر حملة المقاطعة في الخليج والأردن أطلقها تيار إسلامي وفق قوله. اللافت أن الباحث يذكر بأن الكويتيين لا يعادون فرنسا “التي حررتهم من الغزو العراقي”.
أما لوفيغارو ذات التوجه اليميني فكتبت مقالة بتاريخ 26 أكتوبر تحت عنوان “تركيا قطر الكويت ما وزن الدول التي تنادي بمقاطعة المنتجات الفرنسية”؟ تقول فيها إن قطاع الصناعات الغذائية الفرنسية أكبر مستهدف بالمقاطعة لكنها تستدرك أن سوق الشرق الأوسط تمثل 2.7 ٪ فقط من صادرات فرنسا الغذائية، لكنها لا تقلل من مضاعفات هذه المقاطعة. وتستشهد بأن أجبان لافاش كيري وكيري وبابيبيل تحقق 20 ٪ من رقم معاملاتها في الشرق الأوسط وأفريقيا بما قيمته 367 مليون يورو.

باختلاف خطوط تحرير الصحف الفرنسية وتوجهاتها، اختلف تقييمها لحجم مقاطعة البضائع الفرنسية في الدول العربية، ففيما حذر البعض من تداعياتها قللت أخرى من شأنها. لو لاحظنا توجه صحيفة لاكروا الكاثوليكي الصريح نرى حتى في قراءة أرقام المبادلات إسقاطاً ذاتياً وكأنها مواجهة دينية مبطنة للأسف. من ذلك التذكير بأن فرنسا حررت الكويتيين والكويتيون لا يعادون فرنسا وكأن القصة “ولاء واعتراف بالجميل”. تقييم المواطن الخليجي بالنسبة لصحيفة لاكروا جاء ماديا صرفا يرى أنه مستهلك علاماتٍ فخمة لا يمكنه الاستغناء عنها. في المقابل حاولت لوموند أن تكون أكثر موضوعية في نقل المشاهد من دولة خليجية إلى أخرى واصفة ما يحدث لأجبان فرنسا التي سُحبت تباعاً تاركة الرفوف فارغة.