“العجيب في الأمر، اليوم تعقد قمة العشرين وبعد يومين تعقد الجلسة الثانية لمحاكمة القتلة حول قتل جمال خاشقجي في اسطنبول”.
تدوينة خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي المقتول غدرًا بقنصلية بلاده في تركيا، اختزلت التجاذبات السياسية والحقوقية التي تلاحق السعودية، وتخييم على تنظيمها للحدث الاقتصادي الأكبر عالميًا، تزامنا مع انطلاق أشغاله بالرياض.
سجل من الانتهاكات وجرائم الدولة، تراوح بين السجن والتغييب القسري للناشطين السياسيين والحقوقيين والمعارضين للنظام، وصولا إلى ملف “الريتز كارلتون”، وما أحاط به من ابتزاز ومصادرة غير قانونية للأصول المالية لحوالي 400 شخص من النخبة الاقتصادية للنظام السعودي.
يجمع المحللون السياسيون على إخفاق محاولات وولي العهد محمد بن سلمان لتوظيف المناسبة وتجميل صورته دوليًا ، ولم ينجح في ترميم الأضرار الناجمة عن قضية خاشقجي، لتستمر الإدانات والانتقادات الدولية بملاحقته على هامش الحدث.
رعونة وإخفاق سياسي
حملات البروبغندا والتسويق الإعلامي، والندوات المتخصصة للترويج لنجاحات بن سلمان، “كرائد لتحديث المملكة وصاحب الرؤية الاقتصادية للتطوير”، لم تتمكن من حجب الصورة المهزوزة للنظام على هامش أشغال القمة، جراء “رعونة ولي العهد وسياساته المتهورة”، كما يصفه العديد من المراقبين وكبار الساسة الغربيين.
رعونة تحولت إلى مادة للسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال حضوره افتتاح القمة إلى جانب والده، وترجمتها تغريدة لينا شقيقة المعتقلة السياسية لجين الهذلول “عندما تصطحب ابنك إلى مكان العمل”.
الإكراهات التنظيمية التي فرضتها جائحة كورونا بتحويل أشغال القمة إلى ندوات عن بعد عبر تقنية الفيديو، أنقذت السعودية من أضرار بالغة وفشل سياسي ذريع كما تكشف مصادر صحفية غربية.
وبحسب المصادر فإن بعض الدول الأوروبية، كانت تتجه في البداية إلى تخفيض مستوى تمثيلها بالقمة، عبر إيفاد وزراء من الدرجة الأولى، بدلًا عن رؤساء الدول والحكومات والقيادات الرئيسية.
الصحف الأمريكية أشارت في ذات الإطار، إلى رفض إدارة ترامب ضغوطًا ومطالبات من أكثر من 45 نائبًا بالكونغرس لمقاطعة القمة، وهو ما رفضه الرئيس الأمريكي متعللاً بالأهمية الإستراتيجية للمناسبة، وما تمثله السعودية كشريك اقتصادي وسياسي.
ويبدو الغطاء السياسي الذي طالما وفره ترامب لصديقه بن سلمان على وشك الانحسار بعيد القمة، والتي ستشكل الحضور الدولي الأخير له قبل تسلم إدارة ديمقراطية مقاليد البيت الأبيض، وتوجهها لمراجعة علاقتها بالرياض والتلويح بمواقف أكثر حزمًا خاصة على صعيد الملف الحقوقي.
تداعيات السجل الحقوقي
بينما كان الملك سلمان بصدد إلقاء كلمة افتتاح القمة، متحدثًا عن “قيمة تمكين الإنسان السعودي” وإتاحة الفرصة أمام الشباب من الجنسين، تقبع الناشطة لجين الهذلول داخل زنزانتها الانفرادية محرومة من أبسط حقوقها الأساسية، يسيطر عليها هاجس تجدد “حفلات التعذيب والاغتصاب”.
لجين تعد أحد تمثلات الوجه الحقوقي القبيح للنظام السعودي، وتحولت إلى قضية رأي عام دولي خلال الأشهر الفارطة، مع تعزز مطالبات الهيئات الدولية بالإفراج عنها وإعلان بعضها مقاطعة أعمال القمة، بما شكل إحراجًا حقيقيًا للرياض.
وكانت منظمة العفو الدولية ومنظمة الشفافية الدولية ومنظمة “سيفيكيوس” التي تُعنى بقضايا المجتمع المدني، قد أعلنت مقاطعة الأنشطة الموازية لمجموعة قمة العشرين.
وأعربت المنظمات عن انسحابها، احتجاجًا على وصفته “بانعدام الشفافية في أداء السعودية” وسجلها الحقوقي والديمقراطي.
وذكر بيان مشترك للمنظمات الحقوقية الدولية، أنه “لا يمكنها بصفتها منظمات مدنية المشاركة في عملية تسعى إلى إضفاء الشرعية الدولية على دولة لا توفر فعليا مساحة للمجتمع المدني، ولا تسمح بوجود صوت مجتمع مدني مستقل”.
ويرجح المراقبون أن تحاول الرياض تخفيف وقع الانتقادات الدولية والإقليمية التي تواجهها ، عبر ترميم البعض من علاقاتها الخارجية على هامش القمة تحسبًا للضغوط المقبلة التي قد تتعرض لها من الإدارة الجديدة من واشنطن، ما دفعها لإعادة فتح القنوات مع تركيا، في مسعى لتجاوز تداعيات قضية خاشقجي التي ضاعفت التوتر القائم بين الرياض وأنقرة، فضلًا عن الخلافات المتعلقة بالسياسات الخارجية.
وأفادت وسائل إعلام سعودية بأن الملك سلمان أتفق خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على “جعل قنوات الحوار مفتوحة لحل الخلافات وتحسين العلاقات بين البلدين”، والتي تشمل استعادة النسق الطبيعي للعلاقات التجارية.