أنيس العرقوبي
أعلنت الهيئة المستقلّة للانتخابات، مساء أمس الأحد 29 جانفي/كانون الثاني، أنّ النسبة الأولية للمشاركة في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية بلغت 11.3%.
وقال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر -في مؤتمر صحفي- إنّ حوالي 887.638 ألف ناخب صوّتوا في الدور الثاني من إجمالي 7.853.447، مشيرا إلى أنّ هذه النتيجة دقيقة مع هامش خطإ ضئيل.
واتّجهت نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية إلى تكرار نسبة المشاركة المنخفضة التي شهدتها الجولة الأولى في 17 ديسمبر/ كانون الأول، إذ أقرّت الهيئة المشرفة على الاستحقاق البرلماني نسبة 11.22% نتيجةً نهائيةً.
وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها الساعة السادسة، فيما أشارت أرقام هيئة الانتخابات إلى نسبة إقبال بلغت 7.7% بحلول الساعة الثالثة مساء، وهي نسبة أعلى بقليل من 7.2% التي سُجلت في الوقت نفسه في اقتراع ديسمبر/ كانون الأول.
وتنافس في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية -التي تجرى بنظام الاقتراع على الأفراد لأوّل مرة في تاريخ البلاد- 262 مرشّحا لم يحصلوا على أغلبية الأصوات خلال الدور الأول من الانتخابات على 131 مقعدا من جملة 161.
خروقات انتخابية
وفي ما يتعلّق بحسن سير عملية الاقتراع التي جرت اليوم، انتقدت منظّمات رؤساء مراكز اقتراع في الانتخابات التشريعية المبكّرة في الكشف عن نسب المشاركة، مشيرة إلى أنّ الخطوة “تتنافى مع مبادئ الشفافية والديمقراطية”.
وشكّك مراقبون مستقلّون للانتخابات، بما في ذلك منظّمة مراقبون، في الإحصاءات الرسمية لنسبة الإقبال، متّهمين الهيئة بحجب البيانات التي يعتمدون عليها لمراقبة نزاهة الانتخابات، فيما نفى مسؤولون منع إعطاء معلومات، معلّلة ذلك بانشغال المشرفين على الدوائر الانتخابية.
من جانبها، قالت رئيسة مرصد “شاهد” لمراقبة الانتخابات ودعم التحوّلات الديمقراطية، علا بن نجمة، إنّ “إقبال الناخبين على مراكز الاقتراع ضعيف جدا، مما يفسّر تكتّم أعوان هيئة الانتخابات ورفضهم الكشف عن نسب الإقبال بكلّ الدوائر الانتخابية”.
وعن الخروقات المسجّلة خلال عملية الاقتراع، أكّدت جمعية عتيد وجود حالات نقل منظّم للناخبين عبر سيارات خاصّة وسيارات نقل ريفي وحافلات صغرى إلى مركز الاقتراع، مضيفة تسجيل محاولات تأثير على الناخبين وتواصل الحملة الدعائية في مراكز بولايات المنستير والمهدية وجندوبة وباجة.
ندّدت جمعيات شاركت في عملية ملاحظة الانتخابات، في مؤتمر صحفي مشترك، بـ”العنف المادي واللفظي والمنع ” ضدّ الملاحظين والصحفيين خلال عمليات الاقتراع في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية التي جرت اليوم الأحد.
والجمعيات، وهي مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحوّلات الديمقراطية، وشبكة مراقبون لملاحظة الانتخابات، والمركز التونسي المتوسطي “عيون على الناخبات”، وائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات، وجمعية شباب بلا حدود.
مقاطعة الأحزاب
وقاطعت الأحزاب السياسية منها جبهة الخلاص الوطني والأحزاب الاجتماعية ومنظّمات مدنية التصويت، فيما شاركت فيها قوى سياسية أخرى مؤيّدة للرئيس قيس سعيّد، مثل ائتلاف “لينتصر الشعب”.
والأربعاء، دعت مبادرة “لينتصر الشعب” التونسيين إلى المشاركة بكثافة في الدور الثاني للانتخابات البرلمانية لـ”منح زخم” للهيئة التشريعية المقبلة، وسط توقّعات بنسبة إقبال ضعيفة مع مقاطعة غالبية الأحزاب السياسية لها.
وطالبت المعارضة بمقاطعة الانتخابات، معتبرة ما يقوم به سعيّد “انقلابا”، داعية الرئيس إلى الاستقالة بعد نسبة الامتناع الكبيرة عن التصويت خلال الجولة الأولى من الانتخابات، وعجزه عن إيجاد حلول للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم انقسامها إلى ثلاث كتل مختلفة التوجّهات والإيديولوجيات؛ جبهة الخلاص الوطني، والحزب الدستوري الحرّ بقيادة عبير موسي، والأحزاب الاجتماعية (العمال والجمهوري والتكتل والتيار القطب)، إلّا أنّها تُجمع على فشل الرئيس قيس سعيّد في قيادة المرحلة الراهنة وضرورة تنحّيه عن السلطة.
والجمعة، دعا رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي إلى توحيد المعارضة وإحداث التغيير بـ”رحيل المنقلب”، وإجراء انتخابات نزيهة مبكّرة لتغيير منظومة حكم الرئيس قيس سعيّد حتى تعود الشرعية الدستورية وعلوية دستور 2014، وعقد حوار وطني لتعديله والعمل به.
وبالتوازي مع مطالب المعارض، تعمل أربع منظمات وطنية، وهي: الاتحّاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، على صياغة مبادرة من أجل إنقاذ البلاد والخروج من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المأزوم.
برلمان جديد.. سلطة إضافية
تعدّ الانتخابات التشريعية أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية أقرّها الرئيس سعيّد في 25 جويلية/يوليو 2021، وسبقها حلّ مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 جويلية 2022.
وفي 18 جانفي/كانون الثاني، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر إنّ القانون الانتخابي التونسي لا يضع حدّا أدنى لنسب المشاركة في الانتخابات للتصريح بالنتائج، وبالتالي فإنّ أيّ نسبة إقبال تقرّها الهيئة، تعني أنّ البرلمان أصبح منتخبا.
وأصدر سعيّد مرسوما بانتخاب البرلمان الجديد -الذي سيكون بلا سلطة في الأغلب- في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، في إطار نظام رئاسي تبنّاه بعدما حلّ البرلمان وتولّى سلطات واسعة في الدولة.
ومجلس النواب الشعب إحدى غرفتي البرلمان، وفقا للدستور الجديد الذي صدر في 25 جويلية/يوليو الماضي عقب استفتاء شعبي، إذ سيحدث مجلس ثان وهو مجلس الجهات والأقاليم.
واعتاد الرئيس في أكثر من مناسبة، تأكيد أنّ إجراءاته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من كساد اقتصادي وأزمة سياسية استمرّت سنوات، متّهما منتقديه بالخيانة وحثّ على اتّخاذ إجراءات ضدهم.
ويرى محلّلون سياسيون أنّ الانتخابات تعد آخر أساس يضعه الرئيس لإقامة قواعد حكمه الجديدة، ومنها جعل البرلمان خاضعا لسلطته بعد أن تحوّز على صلاحيات تشكيل الحكومة وإقالتها.
ويتّهم منتقدو سعيّد بالسعي إلى تفكيك النظام الديمقراطي رغم هشاشته، واصفين ضعف الإقبال على التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات، بأنّه دليل على أنّ تغييرات سعيّد لا تحظى بتأييد شعبي،
وتعوّل المعارضة على استمرار سياسة المقاطعة للاستحقاقات التي أقرّها سعيّد “منفردا”، لإثبات حجم التراجع الذي وصلت إليه شعبية الرئيس منذ إجراءاته الاستثنائية، والتي تصاعدت بعد العطب الذي تعيشه البلاد اقتصاديا واجتماعيّا.
وفي سياق متّصل بالانتقادات التي تستهدف الرئيس، تقول المعارضة إنّ قيس سعيّد بدأ في استهداف المعارضين عبر المحاكم العسكرية والمدنية (نواب ائتلاف الكرامة وقياديين في حركة النهضة وجبهة الخلاص)، وذلك بعد أن خنق القضاء، مشيرة إلى استغلاله مؤسّسات الدولة لتصفية خصومه.
ندّدت المنظّمة العالمية لمناهضة التعذيب، في وقت سابق، بـتنامي ظاهرة سوء المعاملة المرتبط بـ”التعذيب الأخلاقي” ضدّ معارضي الرئيس قيس سعيّد منذ قراراته التي اتّخذها صيف 2021.
وقالت المديرة القانونية للمنظّمة غير الحكومية إيلين ليجي، في تصريح لوكالة فرانس برس، إنّ هناك “تناميا في السنوات الأخيرة لما يمكن وصفه بأنّه تعذيب أخلاقي، أو على الأقل سوء معاملة يُرتكب ضدّ الأشخاص المصنّفين، من جانب الأجهزة الأمنية”، مضيفة أنّ الظاهرة امتدّت منذ 25 جويلية/يوليو 2021 لتشمل المعارضين السياسيين.
وتفاقم الشعور بالإحباط من تعثّر الحكومة المكلّفة من قبل قيس سعيّد في مواجهة الأزمة الاقتصادية الآخذة في تصاعد، وعجزها عن تحصيل حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وذلك وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي وشيك.