لايف ستايل مدونات

الإفراط في الركض: الحدّ الفاصل بين الشغف وخطر الإدمان

سمية المرزوقي

يكاد لا يمرّ يوم دون أن يرتدي المهندس التونسي طه الطويهري حذاءه الرياضي، ويُطلق العنان لأقدامه بالركض لساعات طوال تتجاوز أحيانا الاثنتي عشرة ساعة في الأسبوع الواحد.

فإلى جانب عمله في إحدى الشركات الألمانية المختصّة في قطع غيار السيارات، يضع طه، الشاب الثلاثيني، رياضة العدو على رأس قائمة أولوياته، كل يوم.

ويقول لـ”بوابة تونس”: “كلّما وجدت ساعة فراغ أقضّيها في الركض، وإن كان لا بدّ لي من الاختيار بين الرياضة ولقاء أصدقائي أرجّح الكفّة للتمرّن، وأؤجّل رؤية الأصحاب إلى موعد لاحق”.

مثل الكثيرين من هواة الركض، كان طه في البداية يبحث عن الاستقرار النفسي، ورأى في الرياضة العلاج الأمثل لكلّ مشاكل الحياة النفسية.

وما يزال إلى اليوم يحثّ الناس ليحذوا حذوه. ويقول في هذا الصّدد: “الركض هو أفضل طريقة للوقاية من الأمراض النفسية وكل ما يترتّب عليها. أيّها الناس إنّ الصحّة النفسية في تدهور رهيب. كل من يشعر منكم بالاكتئاب أو الضّجر أو أرهقته الحياة عليه فقط الركض في أيّ مكان وفي أيّ زمان. فقط أركض”.

ومع الوقت، نجحت الرياضة في أخذ حيّز أكبر من حياة طه واهتمامه حتى أصبح مهووسا بالتدرّب إلى درجة الإدمان.

إدمان الركض

كشفت دراسة نرويجية أنّ واحدا من كل أربعة عدّائين يحمل علامات على إدمان الركض. ويظهر ذلك في إصرارهم على التخلّي عن تمضية الوقت مع أحبائهم واستبداله بالذهاب إلى الركض.

وحدّدت الدراسة -التي أجرتها الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا- أنّ الأشخاص الذين يهربون من مشاكلهم الحياتية للركض، هم أكثر عرضة لخطر الإدمان عليه وما ينجرّ عنه.

وأفاد البحث الّذي نشر في تقرير لمجلّة “فرونتييرز إن سايكولوجي”، وقد شمل 227 عداءً، أنّ الأشخاص الذين اعتادوا الركض لتحسين حياتهم كانوا أقلّ عرضة للإدمان. ورغم ذلك، اعتبر كلا النوعين من الناس الركض هروبا من الواقع.

ويوضّح الدكتور فرود ستينسينج، الذي قاد الدراسة: “الأشخاص الذين لا يسعهم سوى استخدام الركض للهرب من مشاكلهم سيجدون أنّه “سيّء” بالنسبة إليهم، وسيكونون أقلّ سيطرة على وتيرة ركضهم، ويصبحون مدمنين وسيشعرون بالخجل والاكتئاب حتى بعد التمرّن”.

بالعودة إلى الشاب التونسي طه، فهو يعترف في حديثه مع “بوابة تونس” بإدمانه الركض حتى أنّه يشعر بالذنب عند انقضاء الوقت دون ذهابه للتمرّن، معلّقا على ذلك: “البقاء في البيت دون ممارسة الرياضة شبيه بالحرب النفسية، لأنّه يدخلني في صراع داخلي”.

تفسّر المتخصّصة في جراحة العظام كورديليا دبليو كارتر للموقع الصحّي “هيلث لاين”، بأنّ الركض يمكن أن يسبّب الإدمان، وهو الشعور بالبهجة الناتجة عن “الهرمونات السعيدة في الجسم” التي تتحرّر من النشاط البدني والإندورفين.

وتضيف: “نشعر بتحسّن عندما نركض، ويمكن أن يصبح الناس مدمنين على هذا الشعور، لأنّه ممتع للغاية”.

وهو ما يؤكّده طه أيضا في شهادته: “أنا أصبحت مهووسا بالركض، لكن لم يحدث ذلك فجأة، وإنما تدرّج الأمر شيئا فشيئا، ففي البداية كنت أفعل ذلك حتى أحافظ على صحّتي، ثم أصبحت أركض لبلوغ ذلك الشعور الممتع في نهاية كل تمرين”. 

وأضاف: “مع التقدّم في الوقت والتعوّد على ممارسة التمارين ورؤية تأثيرها في بنيتي الجسدية، صرت أكره العودة إلى الخمول أو اكتساب الوزن، ثم بعد ذلك تحوّل الأمر إلى إدمان للرياضة”.

ومع ذلك، يدرك المهندس التونسي أن هناك خيطا رفيعا يفصل بين الإفراط في التمرّن المسبّب للإصاباتّ، وبين مواصلة الركض والتوقّف الوجوبي عند الشعور بأوجاع معيّنة قد تنبئ بالخطر.

مخاطر الإفراط في الرياضة

أكّد باحثون أستراليون في دراسة مشتركة، أنّ الإدمان على الركض، مثله مثل أيّ نوع إدمان آخر، يحدث عندما يطوّر الشخص هوسا قهريا تقريبا بالرياضة.

ولفتت الدراسة، الّتي نُشرت في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة، إلى أنّ هؤلاء المدمنين يقعون غالبا في دوامة الإصابات في كل مرة.

وتوصّلت النتائج إلى أنّ أولئك الّذين أفادوا أنّهم متسابقون “متحمّسون للغاية”، حيث استهلك الركض حياتهم إلى الحدّ الذي أضرّ بعلاقاتهم ومشاغلهم اليومية، بدوا أنّهم أكثر عرضة للإصابة بجروح من أولئك الذين كانوا “متناغمين”، أي الّذين قاموا بدمج النشاط الرياضي بسلاسة أكبر في حياتهم.

وفي المقابل أظهر الأشخاص، الذين يملكون القدرة على تقسيم وقتهم بين الرياضة وبقية المشاغل، علامات أكثر للتعافي العقلي والبدني من الركض والانتباه إلى المؤشرات المبكرة التي تنبئ باحتمال تعرّضهم إلى إصابة ما.

وعلى الرغم من شغفه الكبير بالركض إلى أنّ طه يعي وعيا تاما بهذه النقطة، وهو يحرص على الحفاظ على سلامته، لأنّه يدرك تماما أنّ طول فترة التعافي من الإصابات يعني حرمانه من الركض.

وأوضح في حديثه أنّه يلتزم الحيطة، في حال الشعور بالألم، ورغم سماح الطبيب له بالركض في مناسبتين قرّر عدم استئنافه التمرّن، حتى تنتهي الأوجاع تماما.

ويذكر في هذا السياق بقاعدته الذهبية للتعافي “أخلد إلى الراحة لفترة أطوال من التي يحدّدها الطبيب حتى أتعافى بشكل كامل”.

مقدار التمارين الذي يحتاجه الجسم

توصي منظّمة الصحّة العالمية بمستويات من النشاط البدني للوقاية من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب، الأوعية الدموية، السكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم.

وتنصح المنظّمة الأطفال بأداء 60 دقيقة -على الأقل- يوميّا من أنشطة معتدلة إلى شديدة لثلاث مرات في الأسبوع على الأقل.

وأما البالغين فعليهم أداء 150 دقيقة -على الأقلّ- من التمارين الهوائية ذات النشاط البدني المعتدل على مدار الأسبوع، أو القيام بـ75 دقيقة -على الأقلّ- من التمارين الهوائية ذات النشاط البدني الشديد على مدار الأسبوع.