تعاني المرأة العاملة في قطاع النسيج في ولايات الساحل عموما، من الظلم والحيف رغم دورها في نموّ الصادرات التونسية منذ عقود، ألا أن العاملة في النسيج كثيراً ما تكون أولى ضحايا الكساد الاقتصادي والمنافسة المحتدة التي فرضتها السوق العالمية.
و بعد أن يتم استنزاف طاقاتهنّ وقد أمضين أعمارهنّ تحت رحمة أصحاب المصانع مقابل أجور زهيدة، وبعد التضحيات والعمل المضني وخلق ثروات طائلة لأصحاب المصانع، لا يتمّ الاعتراف لهنّ بجميلهنّ ويجدن أنفسهنّ مقصيات ومطرودات طردا تعسّفيّا.
عنف ممنهج
يسلط العنف الممنهج على عاملات النسيج منذ دخولهنّ سوق الشغل في مصانع النسيج، فتنتهك حقوقهنّ من حيث التغطية الاجتماعية ويجبرنَ على العمل ساعات طويلة وشاقة بل وساعات إضافية تحت ضغط آجال تصدير المنتوج، ناهيك عن سوء المعاملة من قبل المشغلين الذين يحرمونهنّ حتى من تخصيص مكان لهنّ لتناول وجبة الغداء، فتجدهنّ على حافة الطريق يتناولن طعامهنّ في طقس بارد أو حار.
بعقود عمل هشة ومحدّدة المدّة تعكس ضعف الأجور، ينتهي بهنّ المطاف وقد تم الاستغناء عنهن بصفة قسرية محرومات من حقوقهنّ وخاصة حقّ الصحة، فبعد أن يفقدنَ عملهنّ يفقدنَ بصفة آلية الحقّ في التغطية الصحية ولا يمكنهنّ الحصول على بطاقات العلاج، رغم الأمراض المهنية المزمنة أهمّها الاضطرابات العضلية.
هشاشة قانون الشغل تعمّق إمكانيات الظلم
ويؤكّد منير حسين عضو الهيئة المديرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية ورئيس فرع المنتدى بولاية المنستير، إحدى الولايات الساحلية الواقعة شرق تونس، لبوابة تونس أن العاملات في قطاع النسيج رغم أنهنّ يلتجئن للقضاء بعد طردهنّ بصفة تعسّفية بعد الإغلاق المفاجئ للمصانع، وبعد أن يحصلنّ على أحكام نهائية للحصول على تعويضات وفق ما ينصّ عليه القانون التونسي، إلا أن هذه الأحكام غير قابلة للتنفيذ إلاّ في ما يتعلّق بالجزء الخاص بمبالغ المستحقات التي يتحمل جزء منها الصندوق الوطني للضّمان الاجتماعي، بينما يتنصّل أصحاب المصانع من مسؤولياتهم ولا يتمّ تتبّعهم حسب القانون، مطالبا بتغيير قانون الشغل.
و يُضيف حسين أنّ أغلب العاملات في قطاع النسيج ضحايا الطرد التعسّفي، يجدن أبواب العمل أمامهنّ موصدة بسبب تقدمهنّ في السنّ رغم أنهنّ يمتلكن خبرات كبيرة في القطاع، فيُصبِحْنَ مضطرّات إلى الانتظار حتى بلوغ السنّ القانونية للتقاعد في عمر الستين حتى تتحصّلنَ على جراية التقاعد والتمتع بالتغطية الصحية.
و تعاني العاملة في قطاع النسيج – التي غالبا ما يتراوح عمرها بين 40 و 50 سنة وبعد أن قضت حوالي 20 سنة من العمل الشاق والمرهق في مصانع النسيج – صعوبة الانخراط مجدّدا في سوق العمل بطرق قانونية نظرا لتقدّمها في العمر وتدهور حالتها الصحية.
انتشار وباء كورونا زاد في تعميق أزمة قطاع النسيج وارتفاع نسب البطالة
ويُشير حسين إلى أنّ انتشار وباء كورونا في تونس زاد في تعميق الأزمة التي يعانيها قطاع النسيج، ففي ولاية المنستير أغلقت 7 مصانع نسيج أبوابها وأعلنت إفلاسها بعد أن عصفت بها الجائحة، ليتضرّر من هذا الإغلاق المفاجئ حوالي 1000 عامل أحيلوا على البطالة.
و يُبرّز حسين أن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية فرع المنستير، يسعى منذ تأسيسه في سنة 2012، إلى تبنّي قضية النساء العاملات في قطاع النسيج والدفاع عن حقوقهنّ المسلوبة واسترجاعها عبْر توجيههنّ وتأطيرهنّ قضائيا واجتماعيا، بهدف تحسين ظروف العمل والتصدّي للانتهاكات التي يتعرّضْنَ لها.
و يسعى المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية فرع المنستير، جاهدا إلى إعادة تأهيل النساء العاملات في قطاع النسيج ضحايا الطرد التعسّفي عبْر تكوينهنّ ومساعدتهنّ على بعث مشاريعهنّ الخاصة وتنظيم معارض لتسويق منتوجاتهنّ لإعادة إدماجهنّ في الحياة الاقتصادية.
الأيادي المتضامنة مع ضحايا الطرد التعسّفي
توصّل بعْث مشروع تضامني اقتصادي واجتماعي عبْر تكوين تعاضدية “الأيادي المتضامنة” لفائدة العاملات المسرّحات بصفة قسرية لمساعدتهنّ على تجاوز الصعوبات المادية التي يعشْنَها بعد أنْ وجدْنَ أنفسهنّ عاطلات عن العمل وبدون مورد رزق و في كفالتهنّ عائلات.
و ضمّ المشروع 40 شخصاً من العاملين في قطاع النسيج من ضحايا الطرد التعسّفي، تمّ اختيارهم وفقا لمعايير دقيقة تراعي الأحقية حسب العمر والوضعية الاجتماعية، وتمّ انتخاب مجلس الهيئة المديرة من النساء المتعاضدات، في 25 جانفي 2020 بعد عقد الجلسة العامة التأسيسية والمصادقة على القانون الأساسي لتعاضدية الأيادي المتضامنة.
و يقول حسين: إنّ انتشار وباء كورونا في تونس في شهر مارس 2020، منع انطلاق مشروع التعاضدية في الآجال المحدّدة، وتأجّلت عملية الانطلاق بعد حوالي ثلاثة أشهر تقريبا بالتزامن مع رفع الحجر الصّحي الشامل، فتمّ إثر ذلك الانطلاق في وضع اللمسات الأولى للمشروع من خلال شراء مستلزمات العمل من مواد خام ومعدّات، حتّى تمّ الانطلاق فعليا في العمل في شهر نوفمبر 2020.
وٌزعت 10 آلات خياطة على العاملات للعمل في منازلهنّ لخياطة المنسوجات ذات العلاقة بالتنظيف من مساحات وفوط ومناديل وغيرها، ويقع تقسيم العمل في التعاضدية على مراحل، فيقع في مرحلة أولى تزويد النساء بالمواد الأولية حتى يتمكّنّ من إنجاز الجزء الأول من المنتوج وهو الخياطة، ثم يتمّ تحويل الفوط والمساحات والمناديل في ما بعد إلى ورشة يجتمع فيها بقية المتعاضدات لتجميع المنتج ولمراقبة الجودة و الفرز ثمّ التعبئة والتغليف حتى تكون جاهزة للتسويق.
و يُؤكِّد حسين أنّ المنتدى يتكفّل بالتنسيق مع مجلس إدارة تعاضدية الأيادي المتضامنة بتأمين التغطية الصحية والاجتماعية لكافّة المنخرطات في المشروع وتمتيعهنّ بحقوقهنّ كاملة، فالمشروع بالنسبة لهنّ يعتبر خلاصهنّ من عالم سوق الشغل المحفوف بالانتهاكات والاستغلال والحقوق المهضومة إلى عالم حقوق العمل المحفوظة والعمل البديل لمقاومة البطالة والفقر وصعوبات الحياة ومراعاة وضعياتهنّ الصحية.