رأي

اغتيال هنيّة ونصر الله..”الإعلام الرسمي” التونسي “يرقص” على إيقاع السلطة 

عبد السلام الزبيدي

فليسمح لي الفاعلون في المجال الإعلامي التونسي بهذا التوضيح في استعمال المصطلحات. فقد تعوّدنا على ثنائيات إعلام عمومي وخاص،  وإعلام حكومي مقابل المناضل منه، وإعلام السلطة والآخر الواقف على ضفة الرفض، والإعلام الحزبي بشقيّه المعاضد والمعارض ، وغيرها من الثنائيات التي انطبعت بها حقبات من تاريخ تونس المعاصر بعد حدث الاستقلال.
 أمّا الآن، وتونس على بعد أيّام من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، فإنّ ما نشهده أشبه ما يكون بالعودة بنسق متسارع إلى الوراء المتميّز بالتقارب حدّ التطابق بين العمومي والحكومي. هذا التقارب الذي كان قبل سنوات فقط خطيئة لا تُغتفر لدى الإعلاميين العاملين في القطاع العمومي البصري والسمعي والمكتوب.

الإعلام العمومي من المعارضة إلى المعاضدة

ويترتّب عن مجرّد النزوع نحو التقريب بين الإعلام العمومي والسلطة ولو حبْوًا بيانات وبلاغات واحتجاجات وغيرها من الأشكال النضالية، دفاعا عن المرفق العمومي المعبِّر عن حقّ المواطن في إعلام مهني ومستقّل ومحايد بعيدا عن توظيف السلطة التنفيذية. وكلّ ذلك تحت رقابة الهئية المستقلّة للاتصال السمعي البصري والهياكل المهنية والفاعلين من متخصّصين وجامعيين وجمعيات.
واعترافًا بتعقّد المشهد سنكتفي بالحديث عن الإعلام العمومي البصري والسمعي، أي مؤسسة التلفزة التونسية بقناتيْها والإذاعة التونسية بإذاعاتها المركزية والجهوية التي تجاوز عددها العشرة. علما وأنّ المُصادر والمكتوب وضعه ليس أفضل بكثير، فقد طالته رياح “الحركة التصحيحية” لإجراءات  25 جويلية لتُقرِّب الشقّة بين مؤسساته والماسكين بالسلطة بأشكال مختلفة.
قبل ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي كان التماهي شبه كلّي بين الإعلام الحكومي والعمومي، لكنّ ثمار التغيير الإيجابي غزا التلفزة والإذاعة التونسيّتيْن بفروعهما المتعدّدة. وغدت عبارات الحياد والموضوعية والاستقلالية وفصل الإدارة عن التحرير ورفض الانسياق وراء محاولات السلطات التنفيذية والأحزاب السيطرة، سيّدة الموقف. فالإعلام العمومي ليس جزءا من السلطة ولا تابعا لها، بل هو مؤسسة لها خصوصياتها تعمل وفق مبادئ مهنية وتحت رقابة هئية دستورية، لا يمكن أن تكون في ركاب السلطة لكن لها أن تتموضع ضدّها.
وفي البال أمثلة عديدة عن قضايا وطنية كانت فيها مؤسسات الإعلام العمومي السمعية والبصرية في موقع مقابل بل مضاد للسلطات الحاكمة وممثّليها. فالذاكرة ملأى باستئناس المعارضات بالتلفزة والإذاعة وغلبة الشعور بالوحشة لدى قيادات أحزاب السلطة والأغلبيات البرلمانية عند ولوج منابر الإعلام العمومي. والقصد من هذا القول، ليس تقييم الأداء وإطلاق أحكام قيمية، بل بيان تموضع الإعلام العمومي خلال سنوات الانتقال الديمقراطي.
وبعدما حدث ما حدث بعدما أرخى الليل سدوله في الخامس والعشرين من جويلية 2021، انتقلت ذات المؤسسات من الوضع الشبيه بالمعارضة إلى المسايرة، وهي الآن في وضع يمكن وصفه ب”الانخراط” في تنفيذ السياسات العمومية التي يسطّرها رئيس الجمهورية تنفيذا لما جاء في الأمر 117 لسنة 2021 ولمقتضيات دستور 2022.
انخراط الإعلام في حرب التحرير الوطنية
ولم يخف رئيس الجمهورية قيس سعيّد توجّهاته، ولم يعمل على تمريرها بالأدوات السياسية اللينة، بل كان واضحا وصريحا. لقد استدعى ذات يوم الرئيسة المديرة العامة للتلفزة التونسية وقال حرفيا: ” على مؤسسة التلفزة التونسية أن تنخرط في حرب التحرير”، داعيا إلى أن يسير الخط التحريري في ركاب التحرير الوطني. وكرّر ذات النداء/ الأمر على مسامع الرئيسة المديرة العامة للإذاعة التونسية في مقر المؤسسة.
وهكذا انتقلنا من الإعلام العمومي ليس إلى الحكومي وإنّما إلى ما أصفه بالرسمي. فالحكومة وفق دستور 2021 ليست أكثر من هيكل ( وظيفة) مساعد للرئيس، ومواقف الدولة الرسمية لا يُعبّر عنها إلاّ الرئيس ذاته.
عفوا، خطر ببالي سؤال عن سبب/أسباب عدم إيلاء القناتين البصريتيْن الرسميّتيْن والإذاعات ذات الصلة لحدثيْ استشهاد زعيم حماس إسماعيل هنية وأمين عام حزب الله حسن نصر الله. ففي زمن غير هذا الزمن، وتحديدا في عهد الانتقال الديمقراطي لن نجانب الصواب إن قُلنا بأنّ تلك القنوات ستتحول إلى عناوين للمقاومة وربما التحشيد..
سؤال نجد الإجابة عنه في مضامين الردود عن الأسئلة التالية: هل تطرّق راسم السياسات العامة للجمهورية التونسية لحدثْي الاغتيال؟ هل أصدر بيانا؟ هل اتّخذ موقفا؟ هل كان مصدر مبادرة للمنظمات الإقليمية والدولية؟ هل رفع السمّاعة وعزّى هذه الجهة أو تلك؟.
وإذا كانت الإجابات بالنفي، نفهم سبب التزام الإعلام الرسمي واكتفائها بالحدّ الأدنى رفعا للعتب..إنّه زمن انخراط الخط التحريري للإعلام العمومي الرسمي في حرب التحرير الوطني..تحرير فلسطين كلّ فلسطين وتحرير تونس من اللوبيات والأعداء!
المعذرة مرّة أخرى..ماذا تقول؟..تريد تنظيم مناظرات تلفزيونية خلال الحملة الانتخابية بين رئيس الجمهورية قيس سعيد والمترشح زهير المغزاوي والسجين العياشي الهمامي؟
لهذا السائل أقول، يبدو أنّك لم تفهم دلالات إحراءات 25 جويلية، ومقاصد دستور 2022، ومعاني انخراط خط تحرير الإعلام العمومي الرسمي في حرب التحرير الوطني.