لايف ستايل

اشترِ أونلاين… كيف أوصدت نوافذ التجارة الإلكترونية أبواب محلات التجار في تونس

فاطمة الأحمر

ملابس وتجهيزات المنزل وأثاث ولعب أطفال وهواتف ذكية وحلويات وغيرها معروضة للبيع في متاجر افتراضية  تونسية على مختلف منصات وسائل التواصل الاجتماعي، متاحة للعموم وعلى الصفحات أينما بحثت.

فرص عمل سهلة
أحلام، إحدى المعطلات عن العمل تحمل شهادة جامعية، بعد أن ضاقت بها سبل إيجاد وظيفة في سوق الشغل، قررت كسب قوتها بشكل آخر وأصبحت تعيل ابنتيها بعد طلاقها منذ سنة بسبب خلافات زوجية.

بدأت أحلام ببيع فساتين الأعراس التي اشترتها قبل زواجها، لكن بسبب ضائقتها المالية واضطرارها لتوفير المال لتربية ابنتيها قررت بيعها، ولم تجد طريقة أنجع أو أسهل من تصوير الفساتين بواسطة هاتفها الذكي وعرضها في أحد مجموعات البيع الافتراضية.

بعد وقت قصير من عرضها، تمكنت أحلام من بيع الفساتين وإيصالها إلى أبواب بيوت الزبائن عن طريق إرسالها عبر البريد التونسي. استحسنت بعد ذلك هذه الفكرة فقررت شراء ملابس أخرى وبيعها بالطريقة ذاتها. اليوم أحلام تجني أرباحا كبيرة من هذه التجارة ولها زبائنها وأصبحت تتعامل مع أحد الموزعين الموثوق بهم لتوصيل الطلبات في الآجال المحددة، بمقابل مادي تم الاتفاق عليه منذ البداية وهو 6 دنانير عن كل توصيل.

مواطن شغل رغم كورونا

التجارة الإلكترونية خلقت مواطن شغل لعدد كبير من المعطلين عن العمل، فلا يحتاج هؤلاء التجار إلا لصفحة أو حساب على مواقع التواصل الاجتماعي وهاتف ذكي لتصوير المنتجات، ثم تنزيلها ونشرها على المنصات وموزع لتوصيل الطلبات إلى الزبائن.

فترة انتشار فيروس كورونا في تونس وبلدان العالم، وفرض الحكومة قيود الحجر الصحي الشامل على السكان، ساهما في ازدهار التجارة الإلكترونية في تونس بالذات، واضطر بذلك أغلب المواطنين إلى التسوق من الإنترنت للحصول على حاجياتهم سواء من ملابس أو طعام أو خدمات أخرى.

ركود قطاع الملابس الجاهزة
التجارة الإلكترونية، قطعت الطريق أمام تجارة الملابس الجاهزة لا سيما في فترات الغلف التام والنتيجة ضعف الإقبال عليها. ولم يكن موسم التخفيضات وتمديد مدته في مستوى توقعات أصحاب المحلات التجارية. فرغم الركود الذي عرفوه بسبب جائحة كورونا، عمقت التجارة الإلكترونية أزمتهم المالية أكثر فأكثر.

موسم التخفيضات الدورية لشتاء 2022، وصفه رئيس الغرفة الوطنية للملابس الجاهزة والأقمشة بمنظمة الأعراف، محسن بن ساسي بالـ “كارثي”، فلم يحقق النتائج المرجوة منه.

وأكد أنه رغم مرور شهر عن انطلاقه، عرف فشلا ذريعا إذ تراجعت مبيعات التجار بأكثر من 50% مقارنة بموسم التخفيضات الشتوي العام الماضي.

غش وتحيل
كبسة زر واحدة تكفي لشراء كل ما تحتاجه دون تكبد عناء التنقل وتمضية ساعات طويلة في التنقل بين المحلات التجارية وتحمل أعباء ذلك، لكن التجارة الإلكترونية بدورها لم تسلم من أشكال التحيل والغش، فترى بعض الصفحات المختصة في فضح أساليب الغش بأنواعها وترى آلاف الأشخاص الذين كانوا ضحية ذلك.

هناك من نشر صورا يكشف فيها أنه لم يحصل على الفستان أو الثوب الذي طلبه أو بالمواصفات المطلوبة، آخر نشر صور حذاء لم يحمل اسم العلامة التي طلبها  اخرون نشروا صور حلويات متعفنة وقديمة وصلتهم.

البعض يحبذ الطريقة الذكية والسريعة في التجارة الالكترونية التي توفر عليه عناء التنقل ومضيعة الوقت بحكم انشغاله بالعمل أو أعمال أخرى، فهي تسهل التسوق، فيما يبدي البعض الآخر عدم رغبته في انتهاج هذه الطريقة للتسوق لكثرة المتحيلين.

راوية، إحدى الحريفات التي وقعت في شراك غش التجارة الإلكترونية، تحدثت إلى موقع بوابة تونس، الجمعة 25 مارس/ آذار 2022، مؤكدة أنها طلبت شراء نعلين من إحدى صفحات البيع على مواقع التواصل الاجتماعي وأنها حددت لون النعلين ومقاسهما واتقفت مع المشرفة على الصفحة الإلكترونية على ذلك.

وأضافت المتحدثة أنها تلقت اتصالا هاتفيا سبق عملية تسليمها طلبها بيوم واحد، تم من خلاله إعادة الاتفاق حول لون النعلين والمقاس المحدد، لكنها تفاجأت عند تسلمها الطرد من حصولها على نعلين مختلفين تماما وبمقاس مختلفين أيضا.

حاولت راوية الاتصال بالمشرفة على الصفحة الإلكترونية لكنها لم تتمكن من ذلك، فقد تم غلق الخط بصفة نهائية وتم حظرها  بعد إعلامها بالخطأ.

ومنذ ذلك اليوم لم تعد راوية تثق بهذه الصفحات الإلكترونية ولم تعد ترغب في شراء أي شيء عن طريق الإنترنت. فهل هناك إطار قانوني في تونس للتجارة الإلكترونية، وهل أن القانون التونسي يحمي المتعرضون إلى التحيل الإلكتروني؟

ماذا يقول القانون التونسي؟
بوابة تونس، استطلعت رأي الباحث في القانون والمحامي السيد بن حسين، الذي أكد أن التجارة الإلكترونية انتشرت في تونس بصفة كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية، وأن الغاية من هذه التجارة تسهيل الخدمات للأشخاص وأيضا توفير مواطن الشغل وتسيير الحركة الاقتصادية والقضاء على البطالة.

وقال محدثنا إن  المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، تتلقى بصفة يومية مئات الشكاوى والبلاغات من المواطنين ضحايا تحيل التجارة الإلكترونية.

وأضاف أن القانون التونسي، أصدر منذ عام 2000 أوامر وقوانين لحماية هذا النشاط، من بينها الأمر عدد 1868 لسنة 2001 المؤرخ في 17 جويلية/ يوليو 2001، والذي يتعلق بضبط إجراءات الحصول على ترخيص لممارسة نشاط مزود خدمات المصادقة الإلكترونية.

وينص هذا الأمر على ضرورة حصول أي موقع إلكتروني مختص في البيع الإلكتروني، على ترخيص من وزارة التجارة وإعلام السلطات الأمنية والإدارية بهذا الموقع وبنشاطه، مؤكد أن 99% من الصفحات الإلكترونية الموجودة حاليا والتي تمارس التجارة الإلكترونية، لا يملك أصحابها تراخيصا.

وينص الأمر عدد 2338 لسنة 2000 والمؤرخ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2000، يتعلق بالتنظيم الإداري والمالي وطرق تسيير الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية، وهو ما يؤكد أنه تم إحداث هذه الوكالة لمراقبة هذه الصفحات والمواقع الإلكترونية المتخصصة في البيع عبر الإنترنت. ويجب بذلك أن يكون التاجر الإلكتروني خاضع لرقابة الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية.

الأستاذ بن حسين، أكد أن القانون عدد 83 لسنة 2000، المؤرخ في 9 أوت/ أغسطس 2000، المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية، ينص على ضرورة تسليم أي تاجر إلكتروني وصل بيع أو شراء للحرفاء، وأن يتضمن هذا الوصل إمضاء إلكترونيا مصادق عليه، ينظمه القانون عدد 57 لسنة 2000 مؤرخ في 13 جوان/ يونيو 2000، متعلق بإتمام وتنقيح مجلة الالتزامات والعقود، والذي ينص على أن كل فاتورة لا تتضمن إمضاء إلكترونيا تعتبر مخالفة للقانون.

عقوبات بالسجن وتعويضات
العقد والبيع والشراء الإلكتروني تخضع إلى الإمضاء الإلكتروني، لكن السلطات الأمنية والإدارية تتهاون في مراقبته ولا تفرض ضرورة تطبيقه.

وتابع: “أي تاجر يبيع منتجاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن يحصل على ترخيص مسبق من الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية، وترخيص من وزارة التجارة وعلى إمضاء إلكتروني ووصولات وفواتير بيع إلكترونية، وكل تاجر إلكتروني مخالف لهذه الإجراءات يكون عرضة جريمة التحيل طبقا لأحكام الفصل 291 من المجلة الجزائية وتصل إلى عقوبتها إلى 5 سنوات سجن.

وأضاف أن هناك مشروع قانون في انتظار المصادقة عليه منذ سنة 2017، يتعلق بالجرائم الإلكترونية ومنها جرائم التحيل الإلكتروني، ينص على أن من يسلم بضاعة مخالفة للبضاعة المتفق عليها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يكون عرضة للتتبع القضائي بتهمة التحيل ويعاقب بالسجن 5 أعوام، ويدفع تعويضا ماديا ومعنويا إلى المتضرر أو الضحية.

ودعا محدثنا رئيس الجمهورية إلى إصدار مرسوم يتعلق بالجرائم الإلكترونية في أقرب الآجال، لتنظيم قطاع التجارة الإلكترونية.

كما دعا المواطنين إلى التثبت من بضاعتهم قبل دفع معاليم التوصيل وثمن البضاعة، وفي صورة تعرضهم إلى التحيل يجب عليهم تقديم قضايا ضد المتحيلين حتى يتم ردعهم.