استقالة مدير المعهد الوطني للإحصاء بتونس عدنان الأسود تحولت إلى زلزال إعلامي وسياسي، في ظل ما كشفته وسائل إعلام تونسية عن ارتباطها بضغوط حكومية لإقحام المؤسسة في الاستشارة الوطنية الالكترونية، التي أطلقها رئيس الجمهورية قيس سعيد لتعديل النظام السياسي.
وإزاء ضعف عدد المشاركين في الاستشارة والذين لم يتجاوزوا 150 ألف شخص منذ انطلاقها في شهر جانفي/يناير الماضي، يرجح المراقبون أن السلطة السياسية مارست ضغوطا لإشراك المعهد في عملية التنظيم على الرغم من أنها خارج دائرة اختصاصاته، ونشر إحصائيات تفوق “الأرقام الفعلية”، وهو ما يمس بمصداقية عمله ويتنافى مع المعايير الدولية للإحصاء.
أهم الأخبار الآن:
تحليلات تلتقي بحسب المتابعين مع ما ورد في نص الاستقالة، حيث أشار الأسود بشكل ضمني إلى أنها تأتي من “أجل الحفاظ على نزاهته ورفضا لمحاولات المساس بالمبادئ الأساسية للإحصاءات الرسمية”.
استقالة تحرك تساؤلات عن مصداقية الاستشارة الإلكترونية ومستوى التفاعل الشعبي معها، وسط حديث عن تدخلات سياسية لتعديل وتضخيم نسب المشاركة التي تنبئ بمقاطعة واسعة وتهدد مشروع رئاسة الجمهورية بالإخفاق.
بوابة تونس استطلعت آراء عدد من المحللين السياسيين بشأن تفاعلات المسألة ودلالتها.
سياسة شعبوية
يرى الباحث والأكاديمي سامي براهم أن محاولات التدخل السياسي في الإحصائيات يشكل إخلالا خطيرا بالتزامات تونس الدولية المتعلقة بشفافية ونزاهة الإحصائيات، لارتباطها بالملفات الاقتصادية والتنموية والديموغرافية، وهو ما ينعكس سلبا على التصنيفات العالمية المتخصصة والعلاقات الخارجية لتونس، ويحد من إمكانية حصولها على تمويلات ومساعدات اقتصادية كما يضر بمصالحها الحيوية.
وأوضح براهم في حديث لبوابة تونس، أن المعهد الوطني للإحصاء بات مهددا بهذا “التوجه الشعبوي” الذي يسعى لأن يفرض عليه الحياد عن نزاهته بتعلة المصلحة الوطنية.
وأضاف براهم “المصلحة الوطنية هي الحفاظ على استقلالية ومصداقية معهد الإحصاء وغيره من المؤسسات، باعتبار أن مصالحنا الحيوية وعلاقاتنا الاقتصادية وارتباطاتنا بالمانحين الدوليين وغيرها، متوقفة على ما يقدمه من معطيات وأرقام ودراسات لا بد أن تكون موثوقة”.
ووصف محدثنا استقالة مدير المعهد بكونها “صرخة احتجاج ورفض” تجاه محاولات توظيف المؤسسة في توجهات متناقضة مع دورها.
استشارة موازية
وكما تطرق سامي براهم إلى ارتباط الاستقالة مع الاستشارة الوطنية والتي وصفها بـ”الاستشارة الموازية”، والتي تكشف عن فشل حكومي ذريع.
وأوضح براهم في السياق ذاته، أن رئاسة الجمهورية والفريق الحكومي قرروا إطلاق استشارة الكترونية على الرغم من وجود هيئات وطنية ودستورية يمكنها الاضطلاع بهذا الدور، على غرار هيئة الانتخابات والمعهد الوطني للإحصاء الذي يمكنه كذلك القيام بدراسات ميدانية لاستطلاع آراء الجمهور.
وذكر براهم بالخروقات التي شابت التطبيقة الالكترونية الخاصة بالاستشارة، والتي تسمح للشخص الواحد بالمشاركة عدة مرات، فضلا عن إتاحة مجال التسجيل لمن هم في سن 16 وهي معايير غير مطابقة للمواصفات والشروط الدنيا الضامنة لمصداقية النتائج، ما يمثل “فشلا للدولة يتجاوز قيس سعيد”، حسب قوله.
ويخلص سامي براهم إلى القول بأن استقالة عدنان الأسود تمثل مؤشرا على إخفاق رهانات قيس سعيد بشأن الاستشارة الوطنية، قائلا “الرئيس لا يريد تحمل المسؤولية عن إخفاق مبادرة الاستشارة، ويريد أن يضعها على كاهل المعهد الوطني للإحصاء”.
ولفت محدثنا إلى أن المرسوم الخاص بالاستشارة وتنظيمها كان يفترض أنى يحدد بوضوح الجهات المسؤولة عن التنظيم والإدارة ووضع الأسئلة، لا أن يقع إقحام المعهد في المسألة، قائلا “قيس سعيد يريد أن يتقاسم الفشل مع جهات أخرى وأن يغطي تجاوزاته بشأن الاستشارة”.
إفلاس سياسي
بدوره يعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي معز الباي استقالة مدير معهد الإحصاء عدنان الأسود مؤشرا على “الإفلاس السياسي”، وضربا لحيادية ومصداقية مؤسسة يفترض أن تكون غير قابلة للتوظيف السياسي، بحسب الأعراف والمعاهدات الدولية.
وبين الباي في حديث لبوابة تونس، أن استقالة الأسود عكست حقيقة هذه الاستشارة التي تفتقد للمشروعية الشعبية والسياسية بدليل ضعف نسبة المشاركة التي لم تتعد 1 بالمئة.
وأضاف الكاتب والمحلل السياسي التونسي، “توظيف أجهزة الدولة بهذه الطريقة الفجة والسمجة يكشف حالة إفلاس سياسي مطلق وفشلا لمشروع قيس سعيد”.
ويرجح الباي أن جانبا من المحيطين برئيس الجمهورية وفريقه هم المسؤولون عن محاولة إقحام المعهد الوطني للإحصاء، لتضخيم نسب المشاركة في الاستشارة الإلكترونية حتى يظهروا بصورة الناجحين أمام رئيس الجمهورية.
وقال معز الباي “من الواضح فشل مشروع الاستشارة نتيجة ضعف الإدراك السياسي لقيس سعيد وعدم معرفته بآليات تسيير الدولة، بالتالي فإن جانبا من فريقه سيدفع ثمن هذا الإخفاق الذي قد ينتهي إلى سقوط مبادرة تعديل النظام السياسي برمتها”.
أضف تعليقا