في مثل هذا اليوم 14 أفريل/ نيسان من العام 1126 ميلادية/ 520 هجرية ولد بمدينة قرطبة بالأندلس الفيلسوف والطبيب والفقيه والقاضي والفلكي والفيزيائي أبو الوليد محمد بن أَحمد بن محمد بن أَحمد بن أَحمد بن رُشد، الشهير اختصارا باسم ابن رشد الحفيد.
وهو فيلسوف أندلسي مسلم، درس الفقه والأصول والطب والرياضيات والفلسفة، وبرع في علم الخلاف، مارس الطب وتولى قضاء قرطبة في العام 1182م/ 578 هـ. عرفه الأوروبيون معرفة واسعة وأطلقوا عليه اسم “أفيروس”.
نشأ ابن رشد في أسرة بارزة في الأندلس مارست الزعامة الفقهية والفتوى، وكان جده المعروف باسم ابن رشد الجد شيخ المالكية، وإمام جامع قرطبة، وقاضي الجماعة، ومن كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية.
كما كان والده أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد فقيها في جامع قرطبة، وقاضيا، وله شرح على سنن النسائي، وتفسير للقرآن في أسفار.
فكر مُستنير
درس ابن رشد الحفيد على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك على يدي أبيه، كما درس على أيدي العديد من الفقهاء، ومن أبرزهم: أبي جعفر بن عبد العزيز الذي أجاز له أن يفتي في الفقه، وفي الفلسفة تأثّر بابن لجة، وكان صديقا لابن طفيل.
تولى ابن رشد القضاء في إشبيلية، ثم في قرطبة سنة 1169م/ 578هـ، وعندما استقال ابن طفيل من الطبابة اقترح أن يكون ابن رشد خليفة له في منصبه، ثم استدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب إلى مراكش وعينه طبيبا له، وقاضيا في قرطبة، كما استعان به في القيام بالعديد من المهام الرسمية، ممّا ساهم في تنقله في مختلف أنحاء المغرب.
يرى ابن رشد عدم وجود تعارض بين الفلسفة والدين، كما آمن بسرمدية الكون، وقال إن الروح منقسمة إلى قسمين؛ أحدهما شخصي يتعلق بالشخص، والثاني إلهي، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء فإن جميع الناس سواسية، كما أكّد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأولى استنادا إلى الدين المعتمد على العقيدة التي لا يمكن إخضاعها للتدقيق والتمحيص، والثانية استنادا إلى الفلسفة، وتنطلق بآرائه الأخلاقية من مذهبي أفلاطون وأرسطو، واتفق مع أفلاطون على الفضائل الأربع الأساسية: العدالة، والحكمة، والشجاعة والعفة.
مؤلفات ابن رشد
لابن رشد العديد من المؤلفات في أربعة أقسام؛ وهي: الفلسفة، والطب، والفقه والأدب اللغوي، كما اختصّ في شرح التراث الأرسطي وأحصى جمال الدين العلوي.
له 108 مؤلفات، 58 منها بنصها العربي، ومن أهم كتبه: “أرسطو” “تهافت التهافت”، “شرح أرجوزة ابن سينا”، “جوامع سياسة أفلاطون”، “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”، “الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة” وغيرها الكثير.
تعرّض ابن رشد في آخر حياته لمحنة، حين أبعده أبو يوسف يعقوب إلى مراكش وتوفي فيها في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول من العام 1198م/ 595هـ عن سن ناهز الـ72 عاما. دفن في مراكش، وبعد ثلاثة أشهر نقل جثمانه إلى قرطبة.
ويعدّ ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام، دافع عن الفلسفة وصحّح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو.
ابن رشد وشاهين
ألهم ابن رشد بكل ما جمعه من علوم وما تعرّض له من تنكيل وتشويه لفكره المُستنير والسابق لعصره المخرج المصري الراحل كتابة فيلم “المصير” وإخراجه (إنتاج 1997).
و”المصير” فيلم سيرة ذاتية تاريخي مصري من بطولة نور الشريف وليلى علوي ومحمود حميدة وصفية العمري ومحمد منير وخالد النبوي. وتدور أحداث الروائي الطويل في الأندلس في القرن الثاني عشر حول الفيلسوف ابن رشد الذي كان قاضي قضاة قرطبة.
وهو يصوّر الصراع الذي دار بين التوجه الفكري المتمثل بابن رشد الذي ينادي بالاجتهاد وبين التوجه الفكري المتمثل بالشيخ رياض الذي يدعو إلى التمثل بالسلف، لينتهي هذا الصراع بإحراق كتب ابن رشد.
ويوضّح شاهين من خلال الفيلم الذي شارك أيضا في كتابته، أن الأفكار لا يمكن ردعها أو محاربتها مثل الجيوش، وذلك لأن للفكر أجنحة (كما ذكر على لسان أبطال الفيلم).
ويتّضح ذلك في نهاية الفيلم، فرغم حرق كتب ابن رشد في الأندلس إلاّ أن نسخا منها حُفظت في مصر.