تونس ثقافة

ابن خلدون..”عبقري” علم الاجتماع وصاحب المقدمة  

جمع بين غزارة المعرفة وتدريس الفقه والتدوين..ابن خلدون مؤسس منهج التحليل في كتابة التاريخ

هو المفكر الفذ، وعبقري زمانه الذي سبر أغوار الفكر الإنساني واستقصى قوانين الاجتماع والسياسة، فجمع بين غزارة العلم وسعة الاطلاع، وصار رائدا في علوم الاجتماع والفقه والتاريخ.

يجمع الباحثون والأكاديميون ورسائل البحث الجامعية والمتخصصة، على اعتباره مؤسس منهج جديد في دراسة التاريخ وتمحيص أخباره، والذي عرف لاحقا بعلم الاجتماع.

عبقرية ابن خلدون لا تقتصر على أسلوبه المبتكر في استطلاع حوادث التاريخ وأخباره واستقراء استنتاجاتها، بل تشمل طريقة منهجية علمية صارمة في المقارنة والتحليل ومقاربة منهجية اعتمدها في تدوين مرجعه الأبرز في علم الاجتماع المعروف بـ “كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر”.

عبقرية تفوقت على نفسها

ويذهب بعض الباحثين إلى القول إن عبقرية ابن خلدون تفوقت على ذاتها، من خلال مقدمة الكتاب المذكور والتي أفرد لها مجلدا منفصلا، وتحول بدوره إلى مرجع تاريخي، يلخص بين صفحاته موجزا لتاريخ الأمم والحضارات منذ الحقبة الجاهلية، وصولا إلى زمن الدولة الحفصية التي عايشها.

لم يكن عبد الرحمان ابن خلدون المولود بحاضرة تونس سنة 732 للهجرة/ 1332 للميلاد، مجرد مؤرخ عادي، إذ اشتهر بكونه فقيها عميق الرؤية، وأديبا فصيحا، صاحب اطلاع واسع على الأدب العربي.

ويرجع الفضل في هذا الزاد المعرفي والعلمي الواسع إلى نشأته، حيث تلقى القرآن وحفظه وجوّده على محمد بن سعيد بن برّال بالقراءات السبع، ودرس “الشاطبية” في القراءات، كما قرأ القرآن على أبي العباس أحمد الزواوي إمام المقرئين في المغرب.

تردد ابن خلدون على مجالس كبار علماء عصره في جامع الزيتونة، ما فتح له آفاق واسعة في مجالس كبار شيوخ العلم، الذين كانوا في موكب سلطان بني مرين فترة استيلائه على تونس سنة 748هـ/1347م.

الترحال وفهم الحضارات

عاش ابن خلدون حياة غير مستقرة تميزت بالترحال، بين مختلف مناطق تونس مرورا بالمغرب والأندلس وصولا إلى مصر، إلا أن تلك السنوات الطويلة من السفر والتنقل ساهمت في تعميق تطوير فهمه لظواهر المجتمعات، وتأثير البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

أثناء إقامته في مدينة فاس، استأنف الدرس في جامع القرويين على جماعة من أكابر العلماء الوافدين من الأندلس وباقي أقطار المغرب.

في “مقدمته” الشهيرة، وضع ابن خلدون القواعد الرئيسية لعلم الاجتماع ونظرياته التي أحدثت تحولا في قراءة حركة المجتمعات.

التحليل أداة لتدوين التاريخ

اعتبر ابن خلدون في المقدمة، أن “التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو مرآة لحركة الأمم وتطورها وفق قوانين اجتماعية خاصة”، كما شكل مصطلحات مهمة ستكون لاحقا بمثابة مفاتيح محورية في علم الاجتماع، باعتبارها من أدوات التحليل، وهي “العصبية” و”الاقتصاد”.

شهدت سنوات استقرار ابن خلدون في الجزائر وتحديدا بمدينة تلمسان، الإطار الذي ولد فيه كتاب العبر ومقدمته الشهيرة، حيث أقام سنوات طويلة تفرغ فيها للبحث والتدريس، كما شغل منصب الحاجب عام 1368 ميلادية من طرف حكام بني مرين، قبل أن يعود إلى تونس عام 1378م، ويشغل منصب أمين سرّ أبي العباس الحفصي.

خلال العقدين الأخيرين من حياته، تولّى مهام التدريس بجامع الأزهر في مصر، كما درس الفقه المالكي في المدرسة الظاهرية البرقوقية، التي أسسها السلطان المملوكي برقوق، إلى غاية وفاته سنة 1406م.