عالم

“إيما بوكر” … قصة مدرسة أمريكية شهدت زلزال 11 سبتمبر 2001

صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان 16 تلميذا بالفصل الثاني بمدرسة إيما بوكر الابتدائية، يتحضرون لحدث تاريخي وهام من شأنه أن يضع هذه المؤسسة التعليمية الواقعة بمدينة “ساراسوتا” بولاية فلوريدا الأمريكية تحت الأضواء.

كانت المناسبة استثنائية بحجم الزيارة الرئاسية المرتقبة من سيد البيت الأبيض، ما دفع إدارة المدرسة وسائر التلاميذ للاستعداد طوال أسابيع للحدث الذي قدر له أن ينطبع طويلا في ذاكرتهم ويؤثر على مسارات حياتهم.

“كنا نترقب زيارة الرئيس بوش بفارغ الصبر، حيث عملنا طوال أسابيع بشكل جاد على دروس المطالعة وتنمية مهاراتنا في القراءة حتى نظهر بمستوى جيد”.

“داخل الفصل أحاطت بنا الكاميرات ونقرات آلات التصوير، كانت الأجواء في غاية الإثارة بالنسبة لنا، تحولنا إلى محط اهتمام القنوات، وكنا بنظر أقراننا بالمدرسة محظوظين بحضور الرئيس حصتنا “.

هكذا استحضرت نتاليا جونز التلميذة السابقة بمدرسة إيما بوكر الابتدائية، بعضا من تفاصيل صباح يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث مثلت زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الحدث الأبرز في تاريخ المدرسة التي تأسست سنة 1989، فضلا عن احتلالها مساحة هامة على أجندات التغطية الإعلامية المحلية، في يوم بدا صباحه الإخباري رتيبا خاليا من أي تطورات أو عناوين هامة.

نطحة العنز

كان الرئيس بوش منسجما في تلك الاثناء في متابعة درس القراءة الجماعي لقصة “العنز الأليف” بإشراف المعلمة السيدة دانيالز، وعكس نقاشه وتفاعله مع التلاميذ وشرحه لبعض المعاني المتعلقة بنطحة العنز، خلو ذهنه من أي مخاطر متوقعة خلال ساعات غيابه عن واشنطن.

 فقبل تحوله إلى فلوريدا، تلقى الرئيس الأمريكي تقرير الإحاطة الاستخباراتية اليومية، والذي لم يتضمن أي إشارة أو تحذيرات عن تهديد إرهابي يستهدف البلاد.

لم يدر بخلد بوش في تلك اللحظات، أن نطحة أخرى أشد وطأة وأكثر دموية وإرهابا في طريقها إلى أن تعصف بالولايات المتحدة وتزلزلها بشكل غير مسبوق.

في حدود التاسعة وخمس دقائق صباحا، اقتحم كبير موظفي البيت الأبيض حصة المطالعة، وهمس في أذن بوش قائلا “اصطدمت طائرة ثانية بالبرج الجنوبي لمبنى التجارة العالمي، أمريكا تتعرض للهجوم”، كان الرئيس قد علم بعد وقت قصير من وصوله إلى المدرسة بالاصطدام الأول الذي خيل للكثيرين أنه مجرد حادث طيران عارض.

“امتقع وجه الرئيس وتغيرت نظراته ولكنه حافظ على رباطة جأشه”، تضيف نتاليا جونز واصفة تلك اللحظات العاصفة التي قدر لها أن تكون شاهدة عليها.

سيطر التوتر على بوش، ولكنه استمر لمدة سبع دقائق أخرى وواصل الاستماع إلى الدرس، قبل أن يغادر لإجراء بعض الاتصالات العاجلة بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع والاطلاع على المستجدات.

أشبه بفيلم سينمائي

لودميان سميث الذي كان جالسا بالصف الثاني بحصة المطالعة، ما يزال يتذكر بدوره تلك اللحظات التي أعقبت إبلاغ بوش بالهجوم، والشعور الذي خيم على الأجواء في المدرسة مع شيوع خبر المأساة التي تتعرض لها نيويورك.

 “فجأة تغيرت ملامح الرئيس بعد أن تحدث إليه أحد المساعدين، وكان واضحا أن شيئا خطيرا قد حدث، بعد مغادرته الفصل فتحنا التلفزيون لمتابعة ما يحدث في نيويورك وبدا لنا مشهد اصطدام الطائرة بالبرج أشبه بفيلم سينمائي”.

عقد بوش مؤتمرا صحفيا مرتجلا، بعد أن نصبت منصته الرئاسية بشكل سريع بباحة المدرسة للإعلان عن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، فيما ظهر التلاميذ وعدد من أفراد الطاقم التعليمي بمدرسة إيما بوكر في خلفية الصورة، ليشكلوا جانبا من ذاكرة يوم غير وجه أمريكا المعاصر.

أما لازارو دوبروك والذي يشغل اليوم وظيفة مهندس في مدينة هيوستن، فيصف اللحظات التي عايشها قبل عشرين سنة في صف القراءة بالمدرسة بأنها غيرت فهمه للحياة، مضيفا “لم أكن أعرف مركز التجارة العالمي أو البرجين التوأمين في ذلك الحين، ولكن مع الوقت صرت مدركا أن التقلبات التي يخبؤوها الغد غير مضمونة”.

ألقت أحداث 11 سبتمبر بتداعياتها على الولايات المتحدة وسائر دول العالم، لكن تأثيرها الأبرز ارتبط بمجموعة من تلاميذ “إيما بوكر”، بعد أن تحول هذا اليوم إلى علامة فارقة طبعت طفولتهم وذاكرتهم، برغم تباين مواقفهم تجاه الحدث.