إنصاف بوغديري لبوابة تونس: أساتذة المسرح أقطاب مغناطيسية للجيل الجديد

إنصاف بوغديري تتحدث عن المسرح التونسي

صابر بن عامر

تُؤكّد الصحفية التونسية الناطقة باللغة الفرنسة إنصاف بوغديري أنّ المسرح التونسي لا يشهد قطيعة بين الأجيال، بل استمراريةً رصينة تربط بين العصور والحساسيات. فبينما انسحبت شخصياتٌ مثل محمد إدريس وعبد القادر مقداد من المشهد المسرحي التونسي، ما يزال تأثيرهما قويًا في بعض الأعمال المعاصرة.

جاء ذلك في إجابة منها حول سؤال بوابة تونس عمّا تشهده تونس اليوم، من فجوة في الأجيال المسرحية بين جيل السبعينات والألفية، وما يعنيه ذلك، إن وجد طبعا، من خطر فقدان تسليم المشعل، وهل يُنذر ذلك بفقدان المسرح التونسي بوصلته وريادته العربية، أم هناك وجه جيد للمعادلة باعتبارها ظاهرة صحية تقطع مع سطوة الأب؟

الوقوف بين زمنين

وفي ذلك تقول بوغديري: “لم يعد السؤال اليوم ما إذا كان المسرح التونسي قد فقد ريادته العربية، بل كيف وصل إلى هذه اللحظة الحرجة من الحيرة الفنية؟ فالمشهد يبدو كأنه يقف بين زمنين: زمن المؤسّسين الذين رفعوا الخشبة إلى مكانة رمزية عالية، وزمن جديد يبحث عن لغته، لكنه لم يجد بعدُ شكله النهائي.”

وتسترسل: “يرى البعض أنّ ما يحدث انهيارٌ تدريجي: عروض متفرّقة، مؤسّسات متعبة، وجمهور يتقلّص عامًا بعد عام.. لكن هناك قراءة مغايرة تقول إن هذا “التراجع” قد يكون ظاهرة صحية، إذ لا يمكن لأيّ فنّ أن يتجدّد من دون أن يتحرّر من ثقل المرجعيات القديمة.. التحرّر من هذا الإرث ليس خيانة، بل خطوة ضرورية لإطلاق الخيال”.

وتُشدّد بوغديري: “ورث المخرجون الشباب صرامة الآباء الدرامية، وسخريتهم النقدية، وحرصهم على المعنى، موسّعين بذلك حوارًا مستمرًا بين الأجيال”.

وتعلّل بقولها: “ما يزال أساتذة الأمس بمثابة أقطاب مغناطيسية.. وما تزال إيماءاتهم الأساسية -دقة الجعايبي، وحرية الجبالي النقدية، مثلا- والسعي وراء صوت مسرحي تونسي متحرّر من التقليد تتخلّل المشهد الحالي”.

وتسترسل: “يعيش المسرح التونسي، اليوم، حالةً من انتقالٍ كامن: ليس انتقالًا رسميًا، بل تسليمًا عضويًا وحساسًا للشعلة. لذا، فإنّ الحديث عن أزمة أو فراغ يُعدّ سوء فهم. فما ينقص هو إدراك هذه الاستمرارية، وإدراك التاريخ في الحركة”.

وهي ترى أنّ المسرح التونسي ليس أرضًا قاحلة، بل هو مخطوطة حية، يدوّن فيها كل جيل تفسيره الخاص دون أن يمحو تفسير أسلافه.

تجاور الابتكار والتكرار

ومع ذلك تُقرّ بوغديري أنّ هذه الحيوية الإبداعية تُعيقها هشاشة هياكله: “نقص أماكن العرض الثابتة، والدعم الجماهيري غير المنتظم، والفرق الفنية غير المستقرّة”.

لتخلص إلى أنّ التحدي لا يكمن في إعادة ابتكار المسرح التونسي، بل في توفير إطار مستدام له ليتنفّس ويجرّب ويتحاور مع جمهوره، مؤكّدة أنّ قوة المسرح التونسي الحقيقية تكمن في هذا التوازن بين التراث والجرأة.

وتختم بوغديري: “المسرح التونسي اليوم في مرحلة مخاض، تتجاور فيها الجدية والفوضى، والابتكار والتكرار. صحيح أنّ الطريق يبدو غير واضح، لكن هذا الارتباك نفسه قد يقود إلى كتابة فصل جديد، أكثر شبابية، وأكثر اتصالًا بقضايا المجتمع”.

“إنها لحظة انتقالية: إمّا أن تتحوّل إلى تراجع، أو تصبح فرصة نادرة لإعادة تعريف الريادة من جديد، ليس كحنين إلى الماضي، بل كقدرة على ابتكار المستقبل”، وفق تصريحها لبوابة تونس.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *