تونس رأي

إلى أين تسير تونس؟ آلارت تدعو إلى “شراكة أهلية” لتفادي المخاطر

عبدالسلام الزبيدي 
اختارت منظمة “آلارت” الإجابة عن سؤالِ “إلى أين تسير تونس سنة 2025؟” بتفكيكه إلى أربعة أجزاء أو محاور الجامع بينها البعد الاقتصادي. ليتكفّل مهدي جماعة بمحور القانون الجديد للشيكات (الصكوك البنكية)، واهتّم حسام سعد بالشركات الأهليّة، وقلّب ضياء خلف الله النظر في نقاط محورية ضمن قانون المالية. وتؤول هذه النقاط إلى استمرار منظومة الريْع، وتتسّم بعدم تناسق السياسات الحكومية التجارية والجمركية، وما يترتّب عليها من ضرر للباحث عن عمل والراغب في بعث الشركات والساعي للحفاظ على المنشآت واللاهث وراء تأمين مستلزمات الحياة (اهتراء المقدرة الشرائية).
أمّا رابع المداخلات فكانت للؤي الشابي الذي اختار محورا أكثر شمولا ألا وَهْو المخاطر النظامية، مشدِّدا على أنّ التحذير هو شكل من أشكال العمل المدني والمواطني الذي يتقاطع مع السياسة، ولكنّ جوهره وخلفياته تتجاوز السياسي بالمعنى المتداول.
وكان فضاء “الريو” بالعاصمة الأحد 2 فيفري حاضنًا للقاءِ الذي كان مشفوعا بحوار مفتوح في قاعة اكتّظت بحُضُورٍ يغلب عليه الشباب. وقد حرص المنظّمون على التأكيد مرار أنّ “آلارت” لا تحصل على أيّ دعم مالي أجنبي، وأنّ كل إنفاقها يتجسَّدُ في أفكار أعضائها وجهدهم والبعض ممّا اكتسبوه من مواطن شغلهم.
الشيكات.. بين التمويل والضمان والفائدة 
استهلّ مهدي جماعة مداخلته بتوضيح مسألة جوهرية في التعامل بالشيكات في تونس، حيث اعتبر أنّها مفصلية لفهم الآثار المحتملة للبدء في تطبيق القانون بصيغته الجديدة. فالحوارات الإعلامية على مختلف المحامل والوسائط حوّلت النقاش إلى وجهةٍ تقنية قوامها المنصّة ومدّة صلوحية الصك وقيمته القصوى وآليات صرفه، كما ركّزت على طبيعة الصك القانونية بما هو وسيلة دفع وليس وسيلة ضمان، أي أنّ من يكتب صكّا فإنّه في الواقع يقدِّم للطرف المقابل مبلغا ماليّا في شكل ورقي خاص (صك).
لكنّ جوهر الإشكال في نظره مختلف تماما، فالشيك في تونس من خلال استعمالاته المهنية التجارية منها والخدماتية وكذلك الشخصية لم يكن في الواقع على مدى عقود وسيلةً للدفع، بل هو وسيلة تمويل. فالتاجر الذي لا يمكنه شراء كميات من البضائع لترويجها أو المقاول الذي لا يقدر على شراء كل المستلزمات، والمواطن الذي لا يمتلك ثمن التجهيزات المنزلية أو معلوم الدراسة النظامية الخاصة أو الدروس الخصوصية، يلجؤون إلى الشيكات لتمويل ما يرومون الحصول عليه.
وعلى هذا الأساس كان من المفترض أن يهتمّ المشرّع ومن قبله السلطات التنفيذية الحاكمة والمقترحة للقانون بأصل المشكل وإيجاد بدائل حتى لا تتعطلّ المصالح الاقتصادية والشخصية للفاعلين الاقتصاديين في تونس ولعموم المواطنين.
صحيح أنّ القانون الجديد حدّ من العقاب البدني (السجن) الناتج عن الإخلالات عند استعمال الشيكات لكنه لم يأخذ بعين الاعتبار المشاكل الجوهرية ولم يقدِّم لها حلولا. فبالإضافة إلى التمويل يوجد مشكلان مهمان آخران وهما الضمان ونسبة الفائدة كان من المفترض إخضاعهما للإصلاح، وذلك حتى لا تكون الإصلاحات جزئية وظرفية وتُنتِج مصاعب جديدة ضمن استمرار منظومة الرّيع التي يسيطر عليها الفاعلون المستفيدون نفسهم في كلّ الحالات.
ولاحظ مهدي جماعة أنّ الإجراء الذي تضمّنه قانون الشيكات الجديد المتعلّق بالتخفيض من نسب الفائدة على القروض المسندة بعد مدّة من التسديد من شأنه أن يضرب عملية الإقراض في العمق. وأشار إلى أنّه سيؤدي إلى إحجام البنوك عن التمويل (الإقراض)، وهو أمر تمّت ملاحظته بالمعطيات الخاصة بنشاط البنوك آخر السنة حيث تراجع إسناد القروض رغم توفّر فائض المال بهذه المؤسسات.
الشركات الأهلية حاضنة اجتماعية لمشروع سياسي
إذا كانت الشيكات في صيغتها الجديدة إحدى علامات صعوبة القادم في علاقة بالاستثمار والتنمية والمقدرة الشرائية، فإنّ الشركات الأهلية تُعدُّ بالنسبة إلى حسام سعد، ومن ورائه” آلارت”، أحد العناوين الرئيسية لمشروع قيس سعيّد السياسي.
طاف بنا حسام سعد حول تخوم أضلع المشروع السياسي لقيس سعيّد بما هو إجابة عن أزمات متعدّدة الأبعاد. وذكَّر بأنماط العمل التعاوني التي عرفتها تونس ما بعد الاستقلال من تعاضد وتعاونيات واقتصاد تضامني مكث في قاع الرائد الرسمي نصًّا دون أوامر تطبيقية.
وخلص عضو آلارت إلى أنّه بعد خيبات الفعل السياسي بما هو ردّ عن أزمة الديمقراطية التمثيلية، وبعد استحالة إنشاء ديمقراطية ضمن مؤسسات اتجاهها وخلفياتها معاكسة، و إثر ضحالة مردود الصلح الجزائي، لم يبق لسعيّد إلا الشركات الأهلية ليس بصفتها الاقتصادية والاجتماعية فقط بل ببُعدها السياسي وهـو الأهم والأساسي في نظره.
إنّ الشركات الأهلية، حسب المُحَاضِر، ليست أكثر من عملية لخلق حاضنة وحزام اجتماعي للماسك بالسلطة. فكلّ سلطة تختار أقليّة من المجتمع تمدّها بامتيازات اقتصادية من أجل ضمان الوفاء للمنظومة السياسية.
هل يمكن للشركات الأهلية أن تخلق الثروة؟ هل يمكنها محاربة البطالة؟ هل يمكنها خلق الثروة؟ ثلاثة أسئلة طرحها سعد وكانت الإجابة بالنفي. وقد فصّل القول في طبيعة ردّه من خلال تحليل طبيعة هذه الشركات ذات الصبغة المحليّة، ومن خلال تفكيك طبيعة الأنشطة الفلاحية والاستخراجية في أغلبها، بالإضافة إلى قيامه بجرد للامتيازات المتعدّدة التي منحت لها سواء منها المالية على غرار تيسير الولوج إلى المنح والقروض الميسّرة أو الجبائية أو الإعفاء من دراسات التلوث والجدوى وغير ذلك. فهذه الشركات، وفق المتحدّث، شكل جديد من الريع ومن خلق حاضنة سياسية واجتماعية عبر الوظائف الوهمية والامتيازات المالية.
مفارقات وافتكاك سلطة التشريع 
أمّا مداخلة ضياء خلف الله فكان عنوانها “قانون المالية وتحدّيات 2025″، واختار التطرّق إلى المسألة بعيدا عن البُعد المحاسبي المُتداول مشدّدا على أنّه سيتطرّق إلى بعض الزوايا أو المقاربات ذات “النكهة الريعية. ومن جهتنا سنقتصر على بعض الإشارات والتنبيهات ممّا جاء على لسانه من معطيات وتحليلات مكتنزة بما يُفسِّر المعطى ويكشف الخلفية ويستشرف المستقبل المنظور.
“بشّرنا” قانون المالية لهذه السنة بأنّ الضغط الجبائي سيرتفع من 25% إلى 30%، أي بما يقارب ثلث دخل التونسيين. وحتى نفهم دلالات هذا الارتفاع بخمس نقاط يكفي أن نستحضر أنّه من سنة 2012 إلى 2024 ارتفع الضغط الجبائي 5% جرّاء كل التغييرات في القوانين والإجراءات والزيادات في الجباية أي بالنسبة نفسها التي تم إقرارها هذه السنة فقط. وطبعا من المشروع فتح حنفية الأسئلة حول حقيقة شعارات الحفاظ على المقدرة الشرائية والعدل الجبائي والتعويل على الذات وغير ذلك كثير.
وضرب خلف الله مثلا آخر من قانون المالية ليكشف حقيقة ما يسمّى بالإصلاحات في “الدولة الاجتماعية” التي جاءت لتقوّم ما أفسده السابقون وتجعل الكلمة العليا للشعب بما هو نقيض للأثرياء! فقد خصصّت الدولة 10 ملايين دينار لإعادة بناء قطيع الأبقار أو قل هو مبلغ إضافي. فبهذا المبلغ الإضافي المطلوب جبر الخسائر واستعادة القطيع.
ولننظر إلى الواقع لنكتشف أنّ الفلّاح يخسر 500 مليم عن كل لتر حليب أي ما يعادل 300 مليون دينار سنويا، دون أن ننسى بأنّ القطيع تدحرج من 670 ألف رأس سنة 2019 إلى 346 ألف الآن موزّعة على 112 ألف فلّاح. مع الإشارة إلى أنّ الدعم كان يُوَزَّع في السابق بين الفلاح والمُجمّع والمصنّع أمّا الآن فنصيب الفلاح 10 ملايين دينار والمصنّع 200 مليون دينار. وكان استنتاج خلف الله في شكل تساؤلين استنكاريين، كيف نريد إصلاح قطاع بـ10 ملايين دينار ضمن هذه المعادلات؟ وهل ردّت السلطة بعضا ممّا أخذته من الجباية على قطاعات مأزومة؟
ومن الضغط الجبائي والأبقار مرّ المحاضر إلى مسألة عدم وجود سياسة تجارية متناسقة. فقانون المالية يمنح الحماية لقطاع عبر الزيادة في المعاليم الديوانية ونرفع الحماية عن أخرى هي في أشدّ الحاجة إليه، حيث قارن بين فصل “الطرشي” وفي الحقيقة الزيتون المملّح وفصل رفع الحماية عن تصنيع الأدوية من جهة وبين حماية مصنّعي الألواح الشمسية بالترفيع في المعاليم الديوانية. ليتساءل: هل بمثل هذه السياسات نحمي صناعة الأدوية وننفّذ سياستنا الطاقية؟
ولم يترك ضياء خلف الله الفرصة تمرّ دون التطرّق إلى الكارتيلات البنكية التي قايضت، في نظره، الترفيع في الضريبة على الأرباح بإقراض الدولة بفوائد مشطّة دون مخاطرة. وجوهر القول عنده أنّ كارتيلات افتكّت ما وصفه بـ”قلم التشريع” خدمة لمصالحها. ذاك هو خط سير تونس اليوم رغم أنّ الشعارات تسير في الاتجاه المعاكس.
في المخاطر النظامية الآن وهنا  
وكان القول الختامي للؤي الشابي من خلال الحديث عن “المخاطر النظامية”. وقد افتتح مداخلته بالتشديد على أنّ آلارت لا تحصل على الدعم الأجنبي، مشدّدا على أنّه من حق المنظمات الحصول على ذلك في إطار القانون والشفافية تماما على غرار حصول الدولة ومؤسساتها على تمويلات خارجية.
وبعد تجوّله بين مفاهيم الممارسة السياسية الحقّ، والثورة بما هي إنجاز مستمرّ، واستحالة إنشاء ديمقراطية بأجهزة ديكتاتورية، والنخبة بين السياسي والتقني، خلص إلى الإشارة بأنّ تونس مرّت، وما تزال، بأزمات ظرفية متعدّدة على غرار الثورة والإرهاب وكوفيد وحرب أوكرانيا غطّت على الأزمة الهيكلية المستمرة. ولا يمكن إصلاح الوضع الاقتصادي وكذلك السياسي دون فتح ملف الإصلاح الهيكلي.
وأكّد لؤي الشابي أنّ الاستشراف والتنبيه والتحذير ليس المقصود به اتّخاذ موقف معارض أو مناوئ وإنّما هو فعل مواطني للفت الانتباه السلطات ممّا قد يحدث في الغد القريب أو البعيد. وضرب على ذلك مثَل التحذير من أزمة الخبز قبل وقوعها أو التنبيه من الممارسات البنكية وغيرها.
أمًا تحذير الآن واليوم فمداره ارتفاع الودائع في البنوك في مقابل تقلّص الإقراض وهو ما يُنبِئ بأزمة مالية واقتصادية متعدّدة الأبعاد تتجلّى ملامحها في صعوبة الولوج إلى التمويل، وهو ما سينعكس على القدرة الشرائية للأفراد وعلى التنمية والاستثمار
 (المؤسسات).
وبعد أن فصّل القول في هذا الخطر الداهم أوضح أنّ لمنظمة آلارت ثلاثة أهداف، أوّلها العمل على إلغاء الامتيازات والتمييز بين المواطنين وتحقيق المساواة بينهم، وثانيها العدالة في فرص العمل، وثالثها استقلالية الرقابة.
تلك محاذير آلارت وإشارتها إلى صراط سير تونس خلال 2025. فالشعارات في واد والواقع واد مختلف. والفعل السياسي لهذه المنظمة يدور حول الإشارة إلى أزمات إرهاصاتها بادية لعين الخبير المتدبّر، وتلافيها ممكن بشروط منها أن نكون في شراكة أهلية للإنقاذ.