هل بات الشباب عبئا على “رزنامة الأعياد الوطنية” في تونس، أم أن إلغاء عيده من خانة المناسبات، يجسد صورة رمزية لغياب مقاربات حقيقية وملموسة من السلطة والنخب السياسية تجاه هذه الفئة الرئيسية في تركيبة المجتمع التونسي؟
في عيد الثورة التونسية، كان تغيير قائمة الاحتفالات الوطنية من بين أولى القرارات التي سعت إلى القطع مع إرث النظام السابق، فألغي تاريخ 21 مارس/آذار الذي كان يحتفي بالشباب زمن الرئيس الأسبق بن علي منذ مطلع التسعينات.
“ظل الثورة “
وقع تعويض هذا الموعد بتاريخ جديد مرتبط بانتصار إرادة الشعب في 14 جانفي/يناير، احتفاء بمساهمة الشباب الفاعلة في الحراك الثوري وباعتباره روح الثورة وعمادها، لتصبح المناسبة “عيدا للثورة والشباب” بقرار من المجلس الوطني التأسيسي.
تحولت عبارة “شباب الثورة” من توصيف إعلامي إلى تعبير سياسي، يختزل ارتباط هذه الفئة الفتية بمسارها وشعاراتها الاجتماعية المعبرة عن واقعها، فضلا عن تطلعاتها المشروعة ضمن المنظومة السياسية الجديدة، لكن هذه الطموحات ظلت مغيبة كمثل “يومها الوطني” الذي أصبح مجرد ظل لعيد الثورة لا يكاد يذكره أحد، إلى غاية إلغائه بمقتضى قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد 25 جويلية/يوليو الماضي.
فهل يعكس تغييب عيد الشباب في تونس صورة رمزية لواقع هذه الفئة المهمشة سياسيا واجتماعيا؟
سيرورة تاريخية
في حديث مع بوابة تونس يرى الباحث المتخصص في علم الاجتماع محمد الجويلي، أن قرار إلغاء تاريخ 21 مارس/آذار من رزنامة الاحتفالات الوطنية بعد 14 جانفي 2011 كان منطقيا، لما يشكله من رمزية القطع مع مرحلة الديكتاتورية، خصوصا وأن الثورة نسبت بشكل رئيسي إلى الشباب، “لذلك لم يكن من المعقول أن تتضمن المرحلة الجديدة مناسبة كانت من جملة الرموز التي ثاروا عليها حتى وإن ارتبطت بهم”.
وأشار الجويلي إلى أن استحداث تاريخ جديد مستقل لعيد الشباب، مع الحفاظ على ارتباطه بسياق الثورة كان يمكن أن يشكل خيارا أكثر واقعية ورمزية، من خلال اختيار يوم 18 ديسمبر/كانون الأول أو 15 جانفي/يناير على سبيل المثال.
المفارقة الرمزية
ما بين العيد في معناه الرمزي وواقع الشباب تكمن المفارقة الكبرى حسب محدثنا، الذي اعتبر تهميش المناسبة تعبيرا عن الصورة الحالية لتغييب الأجيال الجديدة من التشريك في اتخاذ القرار، أو الحضور الفاعل في المواقع القيادية باستثناء نسبة محدودة مرتبطة بالأحزاب السياسية.
وأضاف محمد الجويلي: “إذا استحدثنا اليوم تاريخا جديدا للاحتفال بعيد الشباب يعكس رمزية الثورة، فيفترض أن نكون في مستوى الحدث على صعيد المراهنة على الشباب وفتح الآفاق أمامه، وتعيينه في مواقع المسؤولية وبالتالي خلق ديناميكية شاملة خلاقة متوثبة”.
مع تغيير تاريخ الاحتفال بذكرى الثورة من جانب الرئيس قيس سعيد وإلغاء يوم 14 جانفي/ يناير من “الرزنامة الرسمية” غيب عيد الشباب مجددا، في تناقض مع الشعارات التي طالما تغنت بمكانة الشباب في المرحلة الجديدة، وهو ما يجسد حسب الباحث محمد الجويلي رغبة في إنكار دور الشباب من جانب الماسكين بالسلطة، والذين يرفضون ضمنيا الاعتراف بهذه الفئة ولا يمتلكون أية رؤية استراتيجية خاصة بها.
“غياب عيد للشباب هو انعكاس رمزي لهذه القطيعة الكبيرة القائمة مع السلطة السياسية، ما أدى إلى توجه الشباب إلى المجتمع المدني الذي بادر إلى احتضان أغلبه وتطويره وتوجيه طاقاته في مجالات مختلفة من العمل العام”، يضيف محدثنا.
ويفسر الجويلي إنكار النخب السياسية للشباب، بكونه خوفا من الجيل الجديد المفعم بوعي سياسي مهم والمنفتح على عصره بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة، على عكس تزمت السياسيين وميلهم إلى المحافظة.
تجربة الجيل الجديد من الشباب في المجتمع المدني مكنته من اكتساب قدرات كبيرة في الحوكمة والابتكار والتفكير والنقد، وهو أمر يزعج السلطة والطبقة السياسية القديمة التي لا ترغب في إدماجه أو منحه فرصة، لذلك فإن الاحتفاء به يتجاوز مجرد استحداث مناسبة رسمية بقدر ما تتكامل مع إرادة فعلية لاستغلال ديناميكية الشباب والاستفادة منها.