تونس سياسة

“إلغاء الاستفتاء”…فرضيات القانون وحسابات السياسة

وجدي بن مسعود

هل يمكن إلغاء الاستفتاء؟ سؤال بدأ يطرح في الساحة السياسية في تونس بعد دعوة الناشطة السياسية والمحامية دليلة بن مبارك إلى إلغاء موعد 25 جويلية/يوليو، إثر نشر النسخة الأولية للدستور المقدمة من قبل الهيئة الاستشارية الوطنية والتي كشفت أن الرئيس كتب دستورا مختلفا عنها وبشكل جذري، مثيرا بذلك جدلا في تونس الأيام الأخيرة وانتقادات سياسية وشعبية.

المحامية دليلة بن مبارك دعت التونسيين والجمعيات والمنظمات الوطنية والأحزاب إلى التحرك والنزول إلى الشارع ورفع شعار لا للاستفتاء ومنع

 تنظيمه، معتبرة أن الرئيس سعيد “هيأ كل الظروف لتزوير نتيجة الاستفتاء ». وقالت في هذا الصدد: “يجب إلغاء الاستفتاء وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية  سابقة لأوانها في ظرف 60 يوما”.

فهل بات إيقاف الاستفتاء حلا للأزمة السياسية؟ وماهي الفرضيات القانونية والسياسية المتعلقة به لو تم الإلغاء؟

بوابة تونس طرحت السؤال على خبراء قانونيين ومحللين سياسيين.

من يلغي الاستفتاء؟

في تعليقه على هذه الفرضية يرى أستاذ القانون الدستوري عطيل الظريف، أن الصيغة الأدق للسؤال هي “من سيلغي الاستفتاء”، في ظل غياب أية نصوص قانونية تتعلق بإمكانية إلغاء الاستفتاء، سواء على مستوى دستور 2014 وكذلك ضمن القوانين الترتيبية المنظمة لهذه العملية.

وأضاف عطيل الظريف: “من غير الممكن إلغاء الاستفتاء بعد أن أصبح تنظيمه أمرا واقعا على المستوى القانوني، إثر دعوة الناخبين وصدور مشروع الدستور بالرائد الرسمي والاستعدادات التنظيمية لهيئة الانتخابات”.

وأشار الأستاذ الظريف إلى أن دعوات المعارضة غير قابلة للتطبيق واقعيا، رغم تشكيكها في عدم قانونية الاستفتاء ومشروعيته، قائلا: “في مثل هذه الحالات نحن مطالبون بالعودة إلى من يمكنه إقرار ذلك، فلا يوجد نص تشريعي ينص على إلغاء تنظيم الاستفتاء”.

ولفت محدثنا في السياق ذاته، إلى أن النص المنظم للاستفتاء هو قانون محدث في الآونة الأخيرة ولم يقع حتى التنصيص عليه في دستور 2014.

وأكد أستاذ القانون الدستوري أن الإمكانية الوحيدة هي أن يقع إلغاء الاستفتاء بمقتضى قرار سياسي، بسبب وقائع أو ظروف معينة تهدد الأمن العام أو تجعل من تنظيمه أمرا مستحيلا.

وفي سياق متصل، أشار الأستاذ عطيل الظريف إلى فرضية أخرى قد تؤدي إلى إلغاء نتائج الاستفتاء وليس العملية برمتها، في حالات معينة تأخذ بعين الاعتبار نسبة المشاركة، فإذا كانت أقل من 30 بالمائة من إجمالي عدد الناخبين المسجلين على سبيل المثال فيمكن إلغاء النتائج المترتبة عن الاستفتاء في بعض الدول.

توحيد الموقف السياسي 

على المستوى السياسي، يستبعد الباحث الأكاديمي والمفكر سامي براهم أن يكون تحشيد الشارع وسيلة للضغط على الرئيس لإلغاء استفتاء 25 جويلية/يوليو، في ظل عدم توحد قوى المعارضة وافتقادها إلى أجندة مشتركة فيما بينها.

ويرى براهم في حديث لبوابة تونس أن إلغاء الأمر يمر عبر إجماع كل القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات ومجتمع مدني على رؤية واضحة وموقف موحد، معتبرا أن الدعوة إلى النزول إلى الشارع بشكل متفرق في هذه الحالة لن توقف مسار الاستفتاء.

ويضيف سامي براهم: “الدعوة إلى النزول إلى الشارع في هذه الحالة لن يكون لها معنى، إذا لم تكن مدعومة بإرادة سياسية جماعية وهو أمر غير ممكن في المرحلة الراهنة، في ظل موقف اتحاد الشغل الذي ترك لمنظوريه حرية الاختيار”.

وحسب محدثنا فإن إيقاف الاستفتاء غير وارد قانونيا لكنه ممكن سياسيا، عبر إفقاده جدواه السياسية ونزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عنه، “إذا اجتمعت كل القوى الوطنية وتجاوزت خلافاتها وهو أمر غير مطروح اليوم”، وفق تعبيره.

ويرجع هذا الوضع بنظر سامي براهم إلى الشروط المسبقة التي تفرضها بعض القوى والأحزاب، “لمنح البلد موقفا موحدا ما يعكس كثيرا من الأنانية وقصر النظر”.

ويخلص سامي براهم إلى القول: “مجرد أن يكون لكل القوى السياسية والتيارات المعارضة موقف موحد بهذا الشأن، هو أفضل وأكثر تأثيرا ونجاعة من مظاهرة مليونية في الشارع”.