فرضت الهند، أكبر مصدِّر للأرز في العالم، في جويلية الماضي، حظرا على تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي بعد أن تضرّرت المحاصيل بسبب الأمطار الغزيرة.
وفي جميع أنحاء جنوب وجنوب شرقي آسيا، يهدّد الطقس غير المتوقّع إمدادات الأرز، وهو الغذاء الأساسي لأكثر من نصف سكان العالم.
أهم الأخبار الآن:
وأدّى الحظر، إلى جانب المخاوف بشأن وصول ظاهرة النينيو، التي تجلب الطقس الأكثر حرارةً وجفافاً في جميع أنحاء المنطقة، إلى ارتفاع الأسعار في الدول المصدّرة الرئيسية تايلاند وفيتنام بنحو 20%، وفقاً لتقرير حديث لوكالة رويترز البريطانية.
وعادةً ما تكون حقول المُزارعة التايلاندية ثونغبون مونتشانسونغ، منتصف أوت، مغمورةً بالمياه الراكدة، ويصل طول نبات الأرز إلى مستوى ركبتها، وتكون المياه وفيرة جداً لدرجة أنّه إذا غطست شبكة في الحقول، يمكنك سحب الأسماك وسرطان البحر لتناولها. لكن هذا العام، كانت الأمور مختلفة. كانت الأمطار تهطل على القرية التي تقطنها ثونغبون، في مقاطعة أوتاراديت بشمال تايلاند، لكنّها لم تكن غزيرة بما يكفي هذا العام، وقد جفَّت القناة المجاورة لمنزل عائلة ثونغبون.
وقالت ثانونكان بوتودومسين، لصحيفة The Guardian البريطانية: “عادةً ما تكون الأمطار غزيرة وتفيض المياه من القناة، لكن هذا العام لم تكن هناك مياه على الإطلاق. وحتى لو هطل المطر بغزارةٍ الآن، فإنّ الوقت الذي كان ينمو فيه الأرز ليمنحنا محصولاً، قد فات بالفعل”.
وتضيف: “لقد جفَّ كل شيء”.صارت الآثار ملموسة لظاهرة النينيو على نطاق واسع خلال الأسابيع الأخيرة، علّقت الإمارات صادرات الأرز وإعادة تصديره لمدة أربعة أشهر، وقالت ميانمار إنّها تخطط لوقف الصادرات مؤقتاً، وقالت إندونيسيا إنها تريد استيراد المزيد من الدول المجاورة لحماية مخزوناتها.
وظاهرة النينيو هي ظاهرة مناخية تحدث بشكل طبيعي، حيث ترتفع حرارة أجزاء من المحيط الهادئ، ممّا يؤدي عادة إلى ارتفاع درجات الحرارة في أجزاء كثيرة من العالم.وعندما وقع آخر حدث كبير لظاهرة النينيو في الفترة 2015-2016، شهدت منطقة جنوب شرقي آسيا انخفاضاً في الإنتاج بمقدار 15 مليون طن من الأرز مقارنة بالعامين السابقين، وفقاً لتقرير صادر عن معهد ISEAS-Yusof Ishak في سنغافورة.
وأدّى هذا الطقس إلى تفشي الأمراض وجلب الجفاف، وأدى إلى حرائق ضخمة في الغابات والأراضي، وأدى ذلك إلى أزمة ضباب في جميع أنحاء المنطقة.ويقول البروفيسور بنيامين هورتون، مدير مرصد الأرض في سنغافورة، إنّه لا يزال من غير الواضح مدى خطورة ظاهرة النينيو: “يكمن القلق في أن معدل ارتفاع درجات حرارة المحيطات بالمحيط الهادئ لم يسبقه مثيل من قبل.
ويشير هذا إلى أنّنا قد نشهد موجة كبيرة من ظاهرة النينيو، إضافة إلى تغير المناخ، وهو ما من شأنه أن يأخذنا إلى منطقة مجهولة”.
يقول البروفيسور هورتون، إنّه من شأن ظاهرة النينيو الكبرى أن تخلّف “تأثيرات كبيرة على الهواء الذي نتنفسه. سيكون الضباب سيئاً للغاية لدرجة أننا لن نتمكن من الخروج”.
ويضيف: “سيؤثر ذلك على المياه التي نشربها -فلن تتوافر لدينا من الأصل- وعلى الطعام الذي نأكله، لأننا لن نحصل عليه”، موصياً الحكومات بالاستعداد لذلك.
من جهته، توقَّع سوراسري كيديمونتون، الأمين العام لمكتب الموارد المائية الوطنية بتايلاند، في أوت الماضي، أن تواجه السهول الوسطى، حزام الأرز في البلاد، انخفاضاً بنسبة 40% في هطول الأمطار المتراكمة هذا الموسم.
وصرّح مسؤولون هنود لوسائل الإعلام الأسبوع الماضي، بأنّ البلاد تستعدّ لأدنى هطول للأمطار الموسمية منذ ثماني سنوات.
وتمثّل الهند أكثر من 40% من تجارة الأرز العالمية، وتزود العديد من البلدان في آسيا وإفريقيا، حيث نما سوق الأرز الهندي خلال السنوات الأخيرة، بسبب انخفاض الأسعار.
ويختلف الأرز عن العديد من السلع الأخرى، لأنّه لا يتم تداول سوى جزء صغير مما يُزرَع منه عالمياً، نحو 11%.
وعندما يُبعد مصدِّرٌ رئيسي للأرز مثل الهند نفسه من السوق، لن يكون هناك كثير من المورّدين في أماكن أخرى لسد الفجوة.
وتأتي الضغوط الحالية على صادرات الأرز في وقت أصبح تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية مرتفعاً بالفعل في معظم أنحاء العالم، والذي تفاقم بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
ولا تهدّد ظاهرة النينيو إنتاج الأرز فحسب، بل تهدد العديد من المنتجات الزراعية الرئيسية؛ من زيت النخيل، الزيت النباتي الأكثر استخداماً على مستوى العالم، إلى قصب السكر، وفول الصويا، ومحاصيل الذرة في الهند.وفي تايلاند، التي قالت إنّه ليس لديها سبب لفرض حظر على تصدير الأرز، حثَّت الحكومة المزارعين على زراعة محاصيل تستهلك كميات أقل من المياه.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الحكومة ستطلق حملاتٍ لتشجيع القطاعين العام والحكومي وقطاع الأعمال على استخدام المياه باعتدال.
وحتى لو لم تكن ظاهرة النينيو شديدة كما كان يُخشى، يقول الباحثون إن هناك حاجة لا يمكن إنكارها للمزارعين للتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن أزمة المناخ. والأرز مُعرَّض للخطر بشكل خاص، والقليل جداً أو الكثير من الماء يمكن أن يدمّر الحقل، وحتى التقلب البسيط في درجات الحرارة يمكن أن يكون له تأثير كبير.
ووجد الباحثون في المعهد الدولي لأبحاث الأرز بالفلبين، والذين درسوا التغيرات في درجات الحرارة ليلاً، أنه في كل مرة ترتفع فيها درجة الحرارة الدنيا بمقدار درجة مئوية واحدة فقط، تنخفض غلات الحبوب بنسبة 10%.
ويمكن أن تكون نوبات البرد القصيرة والحادة مميتة أيضاً.إنّ تأثير أزمة المناخ على الأرز، سواء من حيث الكمية أو النوعية، تأثير كبير. يبحث الباحثون والمزارعون عن طرق لجعل محاصيلهم أكثر مرونة، وفي قرية ثانونكان بوتودومسين، قام البعض بتغيير المحاصيل وزراعة المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه.
ويحاول مركز الأرز، الذي يتعاون مع باحثين بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تطوير أرز أكثر تغذية ويمكنه تحمّل التهديدات الناجمة عن الاحتباس الحراري.
ويدرس باحثو المركز “مجموعة متنوعة” مكونة من 400 نوع من الأرز، ويحددون الجينات المرتبطة بميزات أكثر مرونة.
وقد يعني هذا، البحث عن جينات تعطي جذوراً أطول يمكنها امتصاص الرطوبة بشكل أعمق بكثير في الأرض، أو أوراق ذات مسام أقل، تُعرف باسم الثغور، والتي من شأنها أن تفقد رطوبة أقل، مما يسمح لها بالتكيف بشكل أفضل مع الجفاف، وإطلاق كميات أقل من غاز الميثان.
وفي عام 2022، تمكن المركز، بالتعاون مع باحثين بالولايات المتحدة، من تحديد الجينات القادرة على مقاومة آفة نطاطات النبات البنية بشكل أفضل.
ويمكن لخبراء الأرصاد الجوية بعد ذلك، العمل باستخدام البيانات الضخمة، وجمع تنبؤات جوية دقيقة للمزارعين -سواء كان ذلك يتعلق بالجفاف أو الفيضانات أو تفشي الأمراض- والعمل بالتعاون مع مزارعي الأرز.


أضف تعليقا