“إتحاف أهل الزمان”..ابن أبي الضياف مؤرّخ يكتب للمستقبل

سنحاول خلال هذا الركن الجديد “تركوا أثرا” بمناسبة شهر رمضان، تسليط الضوء على عشرات الكتب التاريخية التي تركت أثرا في تاريخ تونس القديم والمعاصر، خاصّة أنّ معظمها مثّلت مرجعا لمعرفة تاريخ تونس، وتمّت ترجمتها إلى عديد اللغات للاستئناس بها في عديد الدراسات والبحوث الأكاديمية.

يقول الفيلسوف الصيني كونفشيوس: “إذا أردت أن تعرف مدى تقدّم أمة وحضارتها ومدى وعيها فاستمع إلى موسيقاها”.. يمكننا اقتباس مقولة المعلّم الصيني الذي كان لفلسفته بالغ الأثر في الصين للحديث عن تاريخ تونس لكن من بوابة الكتابة والأدب.

وتعدّ الروايات والكتب من بين المراجع التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة تاريخ بلد أو منطقة ما، لكن أبرز المراجع التي يُنصح بها هي الكتب التاريخية، فالكثير منّا يسعى إلى معرفة تاريخ تونس ولم تسنح له الفرصة.

لذلك اخترنا في هذا الركن الجديد بمناسبة شهر رمضان أن نتعمّق في بعض الكتب التي يمكن الاستئناس بها لمعرفة تاريخ تونس.

الإتحاف.. هو الاختصار لكتاب “إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان” للمؤرخ أحمد بن أبي الضياف، والذي يتناول فيه تاريخ تونس في عهد البايات و فترة الحضور العثماني بتونس، ويعتبر أهمّ مصدر في تاريخ تونس الحديث.

كتب ابن أبي الضياف الإتحاف على مراحل، ويبدو أنه وجد أكثر وقتا للتحرير منذ مطلع ستينات القرن التاسع عشر، غير أنّ أغلبه يعود إلى عام 1871، رغم أنّه يغطي أحداثا وقعت بعد هذه السنة.

يتألف كتاب “إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان” للمؤرخ أحمد بن أبي الضياف من ثلاثة أقسام، حيث تنقسم المقدمة بدورها إلى قسمين أو عقدين -حسب تعبير المؤلف- أولهما عنوانه العقد الأول في الملك وأصنافه في الوجود، ودرس فيه مختلف أصناف الحكم: الملك المطلق، الملك الجمهوري والملك المقيد بقانون، ثم العقد الثاني في الإلمام بعمارة إفريقية وهو عبارة عن تلخيص لتاريخ إفريقية منذ الفتح الإسلامي إلى عهد علي باي (1759- 1782).

ويعدّ التاريخ الجزء الرئيسي من الكتاب ويغطي الفترة ما بين 1782 و1772، ويتكوّن من ثمانية أبواب:

حمودة باشا (1782- 1814).

عثمان باي (1814).

محمود باي (1814- 1824).

حسين باي (1824- 1835).

مصطفى باي (1835- 1837).

أحمد باي (1837- 1855)

محمد باي (1855- 1859).

محمد الصادق باي (1859- 1882 غير أنّه توقّف بالنسبة إليه عند عام 1289هـ/1872-73م.

وعنون بن أبي الضياف الخاتمة كما يلي: لتراجم بعض الأعيان والمتأخّرين من العلماء والوزراء والكتاب وغيرهم.

تم نشر هذا الكتاب بين 1963 و1965، وقد ساهم في تحقيقه عدد من الباحثين التونسيين.

 كما تمت إعادة طبعه أكثر من مرة بعد ذلك. وقام المؤرخ الفرنسي أندري ريمون بتحقيق الجزء الخاص بعهد أحمد باي، ونشر عام 1994 في مجلد خُصّص للنص العربي والنص المترجم إلى الفرنسية، كما أضاف مجلّدا ثانيا للتحليل التاريخي، وضمّنه المصطلحات التاريخية والتراجم الواردة في الكتاب.

التعريف بالكتاب

يتضمّن محتوى الكتاب أربعة مجلدات، وهو مرتب على مقدمة وثمانية أبواب وخاتمة، إلّا أنّه صدر في 8 أجزاء، تتوزّع كما يلي:

المقدّمة وتضم الجزأين الأول والثاني:

الجزء الأول: وهو عبارة عن مقدّمة نظرية للكتاب تقوم على تحليل نظريات المؤلف الإصلاحية ودعوته إلى تقييد الحكم المطلق في تونس بالشرع، كما نوّه بالتنظيمات مبيّنا جدواها في محاولة للإقناع بمختلف الحجج بضرورة تطبيق الإصلاحات ووضع حدّ للحكم المطلق ولظلم البايات وعسف عمالهم.

الجزء الثاني: هو ملخص لتاريخ تونس منذ الفتح العربي الإسلامي إلى ما قبل عهد حمودة باشا الحسيني. وقد اعتمد المؤلف في ذلك على مصادر سابقة.

الجزء الثالث: يحتوي على خمسة أبواب، يتعلق كل واحد منها بأحد البايات: و هم حمودة باشا، عثمان باي، محمود باي، حسين باشا باي، مصطفى باي.

 وقد استقى ابن أبي الضياف معلوماته عن عهد حمودة باشا عن أبيه الحاج بالضياف الذي خدم هذا الباي، كما اعتمد على شهود عيان آخرين مثل شيخيه إسماعيل التميمي وأحمد الأبي، بالإضافة إلى اعتماده على وثائق أصلية، ثم إن ابن أبي الضياف كان هو نفسه شاهد عيان على عهود عدة بايات بحكم اشتغاله معهم. كما تحدّث عن احتلال الجزائر عام 1830 وأصداء ذلك بتونس.

الجزء الرابع: عن عهدي المشيرين أحمد باشا باي ومحمد باشا باي وقد تعرّض فيه بالنسبة إلى عهد الأول منهما، إلى المسائل التالية: الإكثار من الجند، إنشاء المدرسة الحربية بباردو، تأسيس المكتبة الأحمدية، ترتيب التدريس بجامع الزيتونة، عتق المماليك، الرحلة إلى فرنسا، الإعانة الحربية للدولة العثمانية. أما بالنسبة إلى عهد المشير الثاني محمد باشا باي، فقد تحدّث ابن أبي الضياف في هذا الجزء عن تنظيم المحاكم الشرعية، منشور الفلاحة، قانون عهد الأمان، والتنقيص من العسكر.

الجزء الخامس: خصّصه ابن أبي الضياف للجزء الأول من عهد محمد الصادق باشا باي، وقد تحدّث فيه عن المسائل التالية: أداء اليمين على احترام عهد الأمان، إنشاء التلغراف بتونس، إنشاء المطبعة وصحيفة الرائد التونسي، تكوين المجالس المنبثقة عن عهد الأمان، اجتماع الباي بنابليون في الجزائر، مشكلة الامتيازات الأجنبية، إيقاف العمل بعهد الأمان، غذاة ثورة علي بن غذاهم عام 1864.

الجزء السادس: هو عبارة عن تتمّة لعهد محمد الصادق باي وصولا إلى عام 1872، أي إلى ما قبل سنتين من وفاة ابن أبي الضياف في حين امتد عهد محمد الصادق باشا باي بعد ذلك إلى عام 1882.

الخاتمة وتضم الجزأين السابع والثامن: وهي تضم 407 ترجمة لشخصيات تونسية توفيت فيما بين عهد حمودة باشا وعام 1872. ولم يقتصر المؤلف في ذلك على القضاة والعلماء ورجال الدولة، وإنما اهتم كذلك بأعيان مدينة تونس وبعض المدن الكبرى ورؤساء القبائل. وقد أضيفت إلى الجزء الثامن في الطبعة الصادرة عام 1990 ملاحق تحتوي على 25 رسالة كتبها ابن أبي الضياف.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *