تونس عرب

أي موقع للديبلوماسية التونسية في مؤتمر باريس حول ليبيا؟

قبل سنتين غابت تونس أو غيبت عن مؤتمر برلين، ما أضاع على الديبلوماسية الوطنية فرصة الاضطلاع بدور إقليمي فاعل في صياغة مسار حل الأزمة الليبية، وإعادة تشكيل سياسية خارجية مؤثرة ضمن ما يعرف بدول الجوار الليبي.

معتقلو 25 جويلية

ومع انطلاق مؤتمر باريس الدولي الهادف إلى دعم العملية السياسية في ليبيا، يبدو حضور تونس أكثر من مجرد تمثيلية شكلية بعد أن أعادت تكريس دور مؤثر منذ احتضانها لمسار الحوار الوطني الليبي وما أنتجه من توافقات بين الفرقاء.

مؤتمر باريس الذي يعد أول مشاركة رسمية لرئيسة الحكومة نجلاء بودن، سيشكل اختبارا هاما لقدرة الديبلوماسية الوطنية على الحفاظ على توازنات دقيقة ما بين المصالح والعلاقات الحيوية مع ليبيا، والاضطلاع بدور أكثر أهمية على مستوى المرحلة والقضايا الرئيسية التي تشمل تنظيم الانتخابات وملف إجلاء المقاتلين الأجانب من الجارة الشرقية، فكيف يقرأ المحللون والمختصون مسار هذا المؤتمر، وأي دور للسياسية الخارجية التونسية في صياغة مقرراته؟

إعادة تفعيل الحضور في الساحة الليبية

في حديثه لبوابة تونس يرى الباحث والأكاديمي التونسي المختص في الشؤون المغاربية والمقيم في باريس عماد الدين الحمروني، أن مشاركة رئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى جانب قيادات دولية كبرى وهامة يتقدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سيكون بمثابة اعتراف بمكانة تونس في معادلة الحل الليبي باعتبارها من دول الجوار التي تأثرت طوال سنوات بارتدادات الأزمة على مستوى أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية والحيوية، كما يفتح آفاقا للسياسة الخارجية التونسية لمزيد تعميق مشاركتها إلى جانب القوى الإقليمية الأخرى.

وأشار الحمروني إلى الموقف التونسي الداعم لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التزاما بمقررات الحوار الوطني الليبي التي احتضنته بلادنا، ما يكرس نموذجا للديبلوماسية الإيجابية التي تمارسها تونس في تعاطيها مع الشأن الليبي دون انحياز لأي طرف سياسي والانتصار لمطالب الشعب الليبي، وهو ما يضفي مشروعية على أي دور خارجي لتونس في علاقة بالجارة الشرقية.

وأضاف الباحث التونسي المختص في الشؤون المغاربية، “كل الأطراف السياسية الليبية كانت متواجدة طوال السنوات الماضية في تونس ولها علاقات وطيدة مع الفاعلين السياسيين وكذلك رئاسة الجمهورية، وهو ما جعل الدور الخارجي للديبلوماسية الوطنية حاسما في تقريب وجهات النظر رغم عدم وضوح معالمه بشكل بارز على غرار الدور المصري أو الجزائري على سبيل المثال”.

ويرى عماد الحمروني أن تونس قادرة على المساهمة في تشكيل توافقات حاسمة بشأن القضايا الخلافية التي ستكون على قائمة جدول أعمال المؤتمر، في ظل توترات وخلافات ترتبط بضمانات وآليات تنظيم الاستحقاق الانتخابي ووجود القوات الأجنبية.

كلمة رئيسة الحكومة نجلاء بودن في المؤتمر لن تكون مجرد تأكيد على موقف تونس الداعم للمسار السياسي وانجاحه، بقدر ما ستحدد موقع تونس من “إحداثيات المشهد” في ليبيا وقدرتها على المساهمة كطرف ضامن ومشارك على مستوى تأمين العملية الانتخابية، وكذلك في مسار مفاوضات انسحاب القوات الأجنبية، وهو ما يتطلب بحسب محدثنا اتصالات واسعة داخل كواليس المؤتمر ومحاولة توظيف علاقات تونس الجيدة بمختلف الأطراف الدولية والإقليمية المرتبطة بالملف الليبي.

دور تقني نتيجة تراجع النفوذ الاستراتيجي  

على الطرف المقابل يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي معز الباي، أن انجراف تونس ضمن سياسة المحاور الإقليمية في ضوء التقارب اللافت بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وكل من السعودية والإمارات، من شأنه أن يفقد الديبلوماسية الوطنية ميزة الحياد الإيجابي التي وظفتها طوال السنوات الماضية، وتمكنت بفضلها من تحقيق مكاسب سياسية من خلال احتضانها لعدة لقاءات وحوارات بين الفرقاء السياسيين الليبيين.

وذكر الباي في تصريح لبوابة تونس، بأن الأطراف الدولية والإقليمية وحتى دول الجوار الأخرى المتداخلة في الملف الليبي طالما تعاملت مع دور تونس الخارجي في علاقة بالملف الليبي بإيجابية رغم تذبذبه وضعف تأثيره، وهو الأمر الذي قد نفتقده خلال مؤتمر باريس، نتيجة اصطفاف الرئيس قيس سعيد مع المحور الإماراتي الداعم للمشير خليفة حفتر.

ورغم أهمية المشاركة التونسية في هذا المؤتمر ورمزيتها السياسية على المستوى الخارجي، إلا أن معز الباي يرى أن عدم اطلاع رئيسة الحكومة على الملف الليبي بمختلف أبعاده ومستجداته بحكم حداثة عهدها بالمسؤولية، لن يمكنها من طرح مقاربة جديدة فيما يتعلق بالدور التونسي من الوضع في الجارة الشرقية.

وأشار محدثنا إلى أن نجلاء بودن ستواجه اختبارا دقيقا فيما يتعلق باحتواء الخلافات السابقة والعلاقات المتوترة مع طرابلس بعد الحرب الكلامية والتصريحات التي أطلقها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة تجاه تونس، كما أنها لا تمتلك حرية المبادرة والمناورة في هذا السياق باعتبار أن ملف السياسة الخارجية يمسك به الرئيس قيس سعيد الذي يحدد ملامحها.

ورجح الباي أن تكتفي الدبلوماسية الوطنية بدور تقني تنفيذي ضمن التوافقات والآليات التي سينتهي إليها مؤتمر باريس، والذي قد يحفظ بها جانبا من النفوذ الاستراتيجي في ليبيا بعد أن تراجعه طوال السنوات الماضية بسبب غياب الاستقرار السياسي الداخلي، وتقوقع السياسة الخارجية التونسية ضمن حياد سلبي غير مثمر.