وجدي بن مسعود
منذ إعلان حكومة نجلاء بودن عن مخطّط الإصلاح الاقتصادي الذي توصّلت بموجبه إلى اتّفاق مع صندوق النقد الدولي، والقائم على الإلغاء التدريجي لمنظومة الدعم أو ما تطلق عليه “إعادة توجيهه إلى مستحقّيه”، تخيّم تساؤلات واسعة بين أوساط الخبراء والمتابعين للمشهد التونسي، عن مدى قدرة الحكومة على تنفيذ هذه السياسة بالكامل وتداعياتها المتوقّعة على الوضع الاجتماعي في تونس.
ويشكّك خبراء اقتصاديون في نجاعة بيع المواد المدعّمة بأسعارها الحقيقية مقابل صرف مساعدات مالية مباشرة لآلاف الأسر التونسية، إذ يُرجّح أن تتجاوز قيمة التعويض المادي ميزانية الدعم برمّتها، بينما تذهب تحليلات أخرى إلى أنّ المساعدة المالية ستكون قيمتها زهيدة ومحدودة، ولن تغطّي مستويات التضخّم التي ستبلغ مستويات قياسيّة، كما أنّها لن تغطّي كامل الفئات المستحقّة، ما قد يهدّد بإشعال فتيل احتقان واضطرابات اجتماعية.
بوابة تونس طرحت مختلف هذه الفرضيات والتساؤلات على رضا الشكندالي، مدير مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية، واستطلعت قراءته بشأنها.
ربط الدعم بمنظومة الأجور
قامت منظومة الدعم منذ تأسيسها في تونس خلال حقبة السبعينات على يد الوزير الأول الأسبق الهادي نويرة، على الترابط مع مستوى الأجور، وهدفت هذه المنهجية إلى تشجيع الاستثمارات ورؤوس الأموال، على الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة وخلق مواطن شغل لأصحاب المستويات الدراسية المحدودة، الذين كانوا يشكّلون النسبة الأعلى من المعطّلين عن العمل.
ونتيجة لذلك كانت منظومة الدعم موجّهة بالأساس إلى هذه الطبقة الاجتماعية من ذوي الأجور الضّعيفة والمحدودة -وفق الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي- واستمرّت لاحقا على أساس الارتباط مع مستوى الأجور.
ولاحظ الشكندالي في هذا السياق أنّه لا يمكن فصل المسارات بين منظومة الدعم وسلّم الأجور ومستويات المعيشة، وهو الأسلوب الذي اعتمدته القيادة النقابية خلال المفاوضات الاجتماعية الأخيرة، واصفا إيّاه بـ”الخطإ الجسيم”، إذا لابد أن “تتناسب الزيادة في الأجور مع التغيّرات التي طرأت على سياسة الدعم عبر ما يُعرف بآلية التعديل”، حسب قوله.
إصلاح غير قابل للتنفيذ
وعلى الرغم من اعتماد آلية التعديل في أسعار المواد المدعومة منذ عدة سنوات، خاصّة على مستوى المحروقات، إلّا أّن الحكومة لم تخصّص أيّ مبالغ مالية لفائدة المستحقّين من الطبقات محدودة الدخل والمتوسّطة، وفق محدّثنا.
ويستحضر الخبير الاقتصادي التونسي تصريح وزير الشؤون الاجتماعية الذي أقرّ بأنّ 70% من التونسيين مستحقّون للدعم، ما يعني أنّ شريحة اجتماعية واسعة ستكون معنيّة بالتعويض المادي الذي ستصرفه الدولة، مقابل 30% فقط ممّن يمكن التعايش مع الزيادات التي سيقع إقرارها.
واعتمادا على هذا المؤشّر، فمن المرجّح أن تتجاوز المبالغ المطلوبة للتعويض المالي ميزانية الدعم الجمليّة، والمقدّرة بنحو 7.5 مليار دينار، بما يجعل مخطّط الإصلاح عديم الجدوى.
وتساءل محدّثنا: “في ظلّ الصعوبات الكبرى التي تواجهها الموازنة العامة وعدم تحديد موعد لتسلمّ القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي، هل تباشر الحكومة في تطبيق إصلاح منظومة الدعم؟ وهل قادرة في ظلّ الوضع الدولي والتداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية على تمرير الزيادات في الأسعار التي ستنتج عن إلغاء الدعم؟ هذا أمر غير ممكن”.
ويستبعد رضا الشكندالي أن يسمح الظرف الاقتصادي الراهن على الصعيدين الداخلي والإقليمي، للحكومة بالذهاب في تنفيذ إصلاحاتها كما تعهّدت بها مع صندوق النقد الدولي، من خلال الرفع التدريجي للدعم مع توجيه إلى مستحقّيه.
معضلة محدودي الدّخل
وتطرح سياسة رفع الدعم كذلك، تساؤلات عن قدرة الحكومة على توفير مخصّصات إضافية بملايين الدينارات، لزيادة قيمة المساعدات المالية المقدّمة للأسر المعوزة.
وتصرف وزارة الشؤون الاجتماعية شهريا منحا مالية تتراوح بين 120 دينارا و200 دينار لفائدة الآلاف من العائلات الفقيرة والحالات الاجتماعية، وهي مساعدات يجمع الملاحظون أنّها لا تكفي لتغطية المتطلّبات المعيشيّة الأساسية في السنوات الأخيرة نتيجة تصاعد مؤشّرات الغلاء.
ويستبعد رضا الشكندالي زيادة قيمة المساعدات الاجتماعية في صورة رفع الدعم حتى تتواءم مع تحرير الأسعار، على الرغم من أنّ الحكومة ملزمة نظريّا بزيادة مبالغ التعويض المالي والمساعدات الاجتماعية كلّما ارتفعت مستويات التضخّم ومؤشّرات الأسعار.
تعويضات محدودة
ويرجّح الخبير الاقتصادي التونسي أنّ حكومة نجلاء بودن في صورة مضيها في تنفيذ الإصلاحات، فإنّها سترصد مبالغ تعويض ضعيفة لمستحقّي الدعم من محدودي ومتوسّطي الدخل، وستكون المحروقات من بين أبرز المواد التي سيقع إلغاء دعمها للتخلّص من تكلفتها العالية على الموازنة، ما سيشكّل “فرضا لسياسة الأمر الواقع”، على التونسيين.
كما توقّع محدّثنا أن سياسة التعويض ستستمرّ لسنوات قليلة باعتبار أنّها مرتبطة بصرف شرائح القرض من صندوق النقد الدولي، ما سيتسبّب في مزيد تآكل الطبقة المتوسّطة، إذ قد ترتفع نسبة الفئات المحتاجة للدعم من 70% حاليا إلى أكثر من 90% مستقبلا، ما يعني ازدياد معدّلات الفقر وتفاقم الاضطرابات الاجتماعية.
وتثير هذه الفرضية مخاوف من تكرار السيناريو المصري الذي دخل نفقا مظلما من العجز الاقتصادي المستمرّ انتهت إلى تعويم الجنيه بالكامل، الأمر الذي قد يتكرّر في تونس من خلال تحرير الدينار.