صابر بن عامر
“تسمع جعجعة ولا ترى طحينا”، مثل عربي ينطبق تماما على غالبية مثقّفي تونس وفنانيها، ممّن يتشدّقون في السرّ والعلن، بمناسبة أو دونها، سيما في الإبادات المُتكرّرة للمحتلّ لشعب فلسطين منذ 7 عقود وتزيد، فينخرطون في الإدانات والتنديدات والشجب والوعيد، ثمّ ينفضّ المجلس.
ظاهرة تكرّرت بعمق، وربما بحمق، مع انطلاق العدوان الغاشم على غزة العزّة في السابع من أكتوبر 2023.
أهم الأخبار الآن:
نحو شهر أو شهرين في الأقصى على انطلاقة “طوفان الأقصى” انخرط فيها فنانو تونس وبعض من مثقّفيها في حمّى التنديد التسونامي، الذي لا يُقدّم ولا يُؤخّر، بل ويُؤخّر.. ثم الصمت الرهيب.
تكرّرت مجازر المحتل على الشعب الأعزل لأكثر من 20 شهرا، مخلّفةً إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
20 شهرا بالتمام والكمال من العدوان الآثم خلّفت أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.. ومثقفو تونس وفنانوها صوت من لا صوت له بلا صوت، نيام في سبات عميق.
كسر للحصار بلا أصواتهم
إلى أن أتت ساعة الصدق الحقّ، حيث انطلقت صباح اليوم الاثنين 9 جوان، قافلة “الصمود” لكسر الحصار عن غزة.
احتشد المئات منذ ساعات الفجر الأولى بتونس العاصمة في انتظار انطلاق القافلة، بمشاركة فلسطينيين وجزائريين وجنسيات أخرى.
غايتهم عبر القافلة البرية التي ستمرّ عبر عدة مدن تونسية مثل صفاقس وقابس ومدنين، أين سيلتحق المئات من المشاركين، دخول ليبيا عبر معبر راس الجدير ثم مصر وصولا إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة.
أما طموحهم فيكمن في الوصول إلى مستشفيات غزة لمعاضدة جهود الإسعاف هناك، وكسر الحصار على القطاع.
قافلة “الصمود” ضمّت وفدا طبيا ضخما ووفدا من المحامين التونسيين لمرافقة المشاركين من المجتمع المدني في حالة الطوارئ الصحية والقانونية.
فأين فنانو تونس ومثقّفوها من هؤلاء؟
إجابة أتت قبل اليوم، عبر النداء الذي أطلقه الممثل المسرحي التونسي مهذّب الرميلي، حين وجّه قبل أربعة أشهر من الآن دعوة إلى الفنانين التونسيين كافة على اختلاف اختصاصاتهم من أجل الانخراط في حركة رمزية نصرة لغزة.
الرميلي أنموذجا
ونشر الرميلي، حينها، تدوينة على فيسبوك قال فيها: “إلى كل الفنانين التونسيّين، يوم السبت 15 فيفري 2025 على الساعة منتصف النهار بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة موعد “الجحيم” الذي توعّد به ترامب غزّة”.
وأضاف: “شاعرا كنت أو مغنّيا أو رسّاما أو عازفا.. هات ريشتك وآلتك الموسيقية وقصيدتك وتعال خذ مكانك في الشارع وقول بصوتك، بعزفك، ببدنك: “غزّة ليست للبيع”. وأوضح الرميلي، وهو فنان ملتزم بنصرة القضية، أنّ دعوته حركة عفوية لا سياسة ولا أحزاب ولا منظمات وراءها. وتساءل الرميلي مخاطبا الفنانين: “ألا تستحق منّا غزّة ساعة واحدة في يوم واحد؟”.
انتهى النداء ولم ينضمّ إلى الرميلي من فناني تونس إلّا صوته.
وبرّر بعض من زملائه، يومها، عدم انضمامه إلى دعوته كونه فعلا فرديّا، أراد منه الرميلي تسجيل نقطة في صالحه، لأجل إحراجهم أمام الرأي العام، وهو المُثقّف العضويّ المُثير للجدل بين رفقاء المهنة، فرقاء الطريق والمنهج.
تبرير مردود على أصحابه، تأكّد اليوم أكثر فأكبر عبر انسحاب معظم مثقفي تونس وفنانيها من الحضور، ولو شكليا، إلّا في ما ندر، طبعا، مع انطلاقة قافلة الصمود إلى رفح.
ومن ثمّة طفح الكيل، وحقّ على التونسيين أين يسألوا “وين الفنانين؟” الذين تغنّوا لعقود وعقود، وهم يتوّعدون: إنّنا غاضبون، راجعون، قادمون.. إنّا لله وإناّ إليه راجعون!”
أضف تعليقا