ثقافة

أيام قرطاج السينمائية كل سنتين… إلى الخلف سر!

صابر بن عامر

في أول إطلالة تلفزيونية لها منذ تعيينها وزيرة للشؤون الثقافية التونسية في 11 أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، أعلنت حياة قطاط القرمازي مساء الاثنين 7 نوفمبر/تشرين الثاني، خلال استضافتها في القناة الوطنية الأولى (عمومية)، أنّ أيام قرطاج السينمائية ستُصبح مرة كل سنتين.

وأكّدت في تصريح تلفزيوني جمعها بالإعلامية إنصاف اليحياوي، أنّ الوزارة قرّرت العودة إلى تجربة ما قبل سنة 2014 ، قائلة: “سنة نقوم فيها بفعاليات المهرجان، وسنة نحضّر فيها المهرجان”.

وقالت الوزيرة إنّ أيام قرطاج السينمائية ليست مهرجانا، بل أياما ثقافية، مُضيفة: “أنا غير راضية عن السجاد الأحمر، وأرفض هذه البدعة التي تمّ العمل بها منذ عام 2009، لكنها حادت عن طريقها”.

واسترسلت: “أنا الوزيرة الوحيدة التي رفضت المرور على السجاد الأحمر، لأنّ المفروض أن يكون حكرا على الفنانين وليس متاحا لمن هبّ ودبّ”، مستدركة: “للأسف أيام قرطاج السينمائية ارتبطت بمستشهرين تمسّكوا بالسجاد الأحمر، ورغم رغبتي في إزالته لم أستطع فعل ذلك”.

كما أشارت القرمازي إلى عزم الوزارة  استشارة أهل القطاع بشأن تطوير المهرجان الذي يبلغ عمره 56 سنة.

قرار صادم

قرار أتى صادما للشارع الثقافي التونسي ومن ثمّة العربي، فأيّ معنى للعودة إلى الوراء بمهرجان يتقدّم ويتطوّر مع كل عام -ولو الهوينة وبشكل متعثّر أحيانا- وهو الذي تمكّن في السنوات الخمس الأخيرة من جلب أحدث الأفلام العربية والإفريقية وأرقاها شكلا ومضمونا؟ لكن للقرارات الانفعالية، التي بدت فوقية، رأي آخر.

وبالعودة “كرونولوجيا” إلى ما شاب يوم الاثنين من أحداث، خاصة في القطاع الثقافي، نفهم سرّ هذا القرار المفاجئ.

فعصر الاثنين، اسّتقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بقصر قرطاج وزيرة الشؤون الثقافية، مُثيرا في هذا اللقاء عددا من المواضيع المتصلة بالمجال الثقافي، أبرزها أيام قرطاج السينمائية، مُنتقدا ما شابها من ممارسات حادت بها عن الأهداف التي أُنشئت من أجلها.

ما يعني أنّ قرار الوزيرة لم يكن من بنات أفكارها، إنما أُملي عليها، ليتدخّل السياسي في الفني من جديد في تونس ما بعد ثورة 2011، الأمر الذي يُنذر بسقطة ثقافية في طريقها إلى التعملق.

وما يؤكّد هذا التدخّل السياسي في الشأن الثقافي، استقالتا مديرتي مهرجاني أيام قرطاج السينمائية والأغنية التونسية في اليوم ذاته.

فصبيحتها أعلنت الفنانة التونسية نبيهة كراولي، استقالتها من مهامها مديرة للدورة الحادية والعشرين من مهرجان الأغنية التونسية، كما أعلنت سنية الشامخي استقالتها من إدارة مهرجان أيام قرطاج السينمائية.

وكانت كراولي قد نشرت فيديو عبر صفحتها على فيسبوك لتعلن تنحيها، مؤكّدة أنّها قبلت بمهام إدارة المهرجان بعدما حصلت على تعهّد بعدم إقصاء أيّ جهة، وفق رؤية فنية تجمع مختلف الأنواع الموسيقية التونسية من وترية وشعبية وفن الراب.

كما أشارت إلى أنّها حصلت على وعود من وزارة الشؤون الثقافية بتقديم الإمكانيات اللازمة لإنجاح المهرجان، لكن ذلك لم يتحقّق، ما دفعها إلى اتخاذ قرار الاستقالة.

ومن جهتها، أعلنت مديرة الدورة الـ33 لأيام قرطاج السينمائية -المتنحية حديثا- سنية الشامخي، استقالتها من الإدارة العامة للمهرجان، معلّلة ذلك برغبتها في العودة إلى العمل السينمائي والكتابة والتدريس في الجامعة التونسية.

فعل وردّة فعل

أعذار مُنمّقة تُبطن أكثر ممّا تُظهر، ما يستدعي النظر والتمحيص في أسباب استقالة سنية الشامخي خاصة، لأن  نبيهة كراولي بررت دوافع تخليها عن إدارة مهرجان الأغنية، بإخلال سُلطة الإشراف بتعهّداتها تُجاهه، بعد وعدها إيّاها بعدم التدخّل في اختياراتها الفنية، لكنّها فعلت، وفق تصريحها.

في المُقابل اختارت الشامخي “الصمت-الثرثار”، آثرة العودة إلى الإخراج السينمائي والكتابة والتدريس على التكليف، مُحتفظة لنفسها بأسرار بقيت حبيسة دواخلها والغرف المُوصدة.

صحيح أنّ مهرجان قرطاج السينمائي الأخير طاله ما طاله من هنات وارتدادات، خاصة في ما يخصّ المرور المقيت على السجاد الأحمر، وما أشقانا مع السجاد الأحمر.

وصحيح أنّ “اللخبطة” التنظيمية وصلت حدّ تمكين فيلم من جائزة، هي لغيره أصلا… وصحيح أنّه تمّ تكريم نجوم المهرجان، بمُباركة وزيرة الثقافة نفسها، في الفضاءات المُغلقة، عوض تكريمهم أمام جمهورهم وعشّاقهم.

لكن للدورة نقاطها المُضيئة أيضا، لعلّ أبرزها، أن جلّ -كي لا نقول كلّ- الأفلام أتت هذا العام مرجعيّة من حيث الجدّة وطرافة الطرح الذي من أجله أسّس الطاهر شريعة في عام 1966 مهرجانه المُناضل والمُقاوم.

كما أن “الفوكيس” (نظرة على) أتت هذا العام مُحتفية بسينما القضية الفلسطينية، وما تعنيه القضية بالنسبة إلى التونسيين.

وأيضا ما يُحسب للمهرجان في دورة 2022، دعوته قامة سينمائية ودرامية سامقة وشامخة اسمها منى واصف، التحمت بالناس وجابت الشوارع التونسية والتقطت الصور التذكراية مع أجيال من التونسيين.

كما صافحت الصحفيين وعانقت الإعلاميين، وأجرت معهم الحوارات العميقة أو المقتضبة بصدر رحب ومُرحبّ بنقدهم وتثمينهم لها ولتجربتها على حدّ سواء، لتُثبت بتواضع الكبار، أنّ الفنان مهما علا نجمه هو من الجمهور وإليه.

فهل قُدّر للتونسيين الموجوعين في قوتهم ويومياتهم المريرة أن يُحرموا من سحر السينما ونجومها، لعامين قادمين، لأنّ السجاد الأحمر لم يكن على هوى أصحاب القرار؟

الحلّ بسيط، يا ذوي الألباب، ألغوا السجاد الأحمر في قادم الدورات -وإن اشتكى المستشهرون- وكفى المولعين بالفنّ السابع والساهرين على الشأن الثقافي في تونس، شرّ القتال… فالتاريخ لا يقبل العودة والقهقرة.