على خطى مسابقة “تحدي القراءة العربي” التي حظيت بتفاعل من التلاميذ والطلاب العرب، أعلنت وزارة الثقافة التونسية عن إطلاق البطولة الوطنية للمطالعة ابتداء من يوم 15 نوفمبر.
مبادرة تمثل مؤشرًا على تبني مقاربات بيداغوجية جديدة وأفكار إبداعية وتحفيزية تقطع مع الآليات والأساليب البيروقراطية التي كبلت عمل إدارة المطالعة والكتاب لعقود طويلة.
تغيير المفاهيم
منهجية المسابقة تعتمد في إطارها، على مخاطبة الناشئة والأجيال الجديدة “بما يفهمون”، عبر تحويل مفهوم المطالعة من واجب مدرسي ثقيل ومزعج يتهربون منه، إلى تحد فكري ومعرفي يستفز طاقاتهم وإمكانياتهم بشكل ايجابي.
على مدار 7 أشهر ستدور فعاليات البطولة على مستوى المكتبات العمومية والجهوية والمتنقلة، فيما ستشرف المندوبيات الجهوية على مسار الأدوار التمهيدية والمتقدمة للمسابقة، والتي ينتظر تنظيم مرحلتها النهائية على المستوى الوطني في جوان القادم.
وعلى غرار “تحدي القراءة العربي” الذي تمكن من تحقيق إنجاز نوعي بقراءة مليون كتاب سنويًا، فإن القائمين على المشروع التونسي يدركون أهمية استقطاب أكبر عدد ممكن من المتنافسين، من خلال فتح باب المشاركة أمام جميع الشرائح والفئات العمرية.
“الهدف الأساسي هو تكريس مكانة الكتاب في مراكمة فعل القراءة كمًا ونوعًا واختبار قدرات القراء على تطوير كفاءاتهم”، هكذا اختزل مدير إدارة المطالعة والكتاب بوزارة الثقافة إلياس الرابحي في تصريح صحفي، المنطلق الفكري للمبادرة التي تسعى إلى تطوير مستوى المشاركين والارتقاء بزادهم المعرفي.
تعتمد البطولة بحسب الرابحي، على تطبيق نظرية “التثقيف الذاتي”، وهي منهجية من شأنها تجاوز إشكاليات الحفظ والتلقين الأعمى، التي تهيمن على العملية التعليمية، لترسيخ أساسيات الفهم والتدرب على الحوار والتمكن من أدوات النقد، “من خلال التّنافس في استعراض المقروء وفهمه وتأويله، بما يضمن ترسيخ المادة المقروءة وتنشيط التحصيل المعرفي العلمي”.
المسابقة تعمل على تغيير المسلمات السائدة لدى الناشئة والتلاميذ، تتحول معها زيارة المكتبة العمومية من ظرف مناسباتي مرتبط بالمراجعة والامتحانات، وإعداد بعض البحوث المدرسية، إلى “حلبة منافسة”، وهو من بين الأهداف المرصودة لمعالجة مشكلة العزوف عن الإقبال على فضاءات المطالعة المنتشرة بكل أنحاء الجمهورية، وضعف أعداد المشتركين بالمكتبات نحصر معظمهم في تلاميذ المراحل النهائية، رغم الميزانية التي ترصد سنويًا لتدعيم مخزون الكتب والمقتنيات الجديدة.
فجوة معرفية
تحقيق مصالحة جمعية مع ثقافة المطالعة يمثل الرهان الأساسي، وهو ما يتجلى في فتح باب المشاركة أمام الجميع، لكن المبادرة رغم أهميتها لن تكون سوى محاولة لتصحيح جزء من منظومة اجتماعية وثقافية وسلوكية، تعاني خللًا في علاقة الفرد بالكتاب، ما جعل من التونسيين في طليعة ترتيب الشعوب التي لا تقرأ.
يكشف سبر للآراء أجرته مؤسسة “أمرود” عن علاقة التونسي بالقراءة والمطالعة ومكانة الكتاب في البيوت التونسية، أرقامًا مفزعة تعلن بوضوح عن الفجوة المعرفية والثقافية التي يعيشها المجتمع التونسي، فبحسب الاستبيان فإن 82% من التونسيين لم يقرؤوا كتابًا خلال 2019، فيما تبلغ نسبة الذين لم يقتنوا كتابًا خلال العام الماضي 89 %، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بسنة 2018، والتي سجلت أن 82 % من التونسيين لم يطالعوا ولو كتابًا واحدًا على الأقل.
بالمقابل لا يتجاوز المصنفين ضمن خانة القراء، والذي طالعوا كتابًا واحدًا على الأقل 17 %.
تبين هذه المعطيات تحول التونسيين إلى مجتمع استهلاكي التفكير والسلوك، يزداد التصاقا بوسائط الاتصال الحديثة ووسائل الإعلام، برغم المبادرات الفردية التي أطلقها بعض الناشطين والجمعيات بالسنوات الأخيرة لإعادة الاعتبار للكتاب، على غرار حملة الراحلة لينا بن مهني والتي تمكنت من جمع 45 ألف كتاب لفائدة المقيمين في السجون التونسية.
جهود يبقى أثرها محدودًا، ما يجعل غرس هذه الثقافة مجددًا تحديًا مجتمعيًا ووطنيا لتحويلها إلى فعل يومي .