أنطونيو غرامشي... فيلسوف إيطاليا الذي أسّس علم اجتماع الثقافة
tunigate post cover
ثقافة

أنطونيو غرامشي... فيلسوف إيطاليا الذي أسّس علم اجتماع الثقافة

المثقفون عند غرامشي يشكّلون الإسمنت العضوي الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية في الدولة ويتيح تكوين "الكتلة التاريخية"
2022-04-27 13:53

يحتفل العالم اليوم 27 أفريل/ نيسان بالذكرى الـ85 لوفاة الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي يُعتبر صاحب فكر سياسي مُلهم داخل الحركة الماركسية، ويطلق على فكره اسم الغرامشية وهي فلسفة البراكسيس (النشاط العملي والنقدي – الممارسة الإنسانية والمحسوسة)، لينتهي به المطاف منظرا ومؤسّسا لعلم اجتماع الثقافة.

وولد غرامشي في بلدة آليس بجزيرة ساردينيا الإيطالية عام 1891. قبل أن يتلقى دروسه في كلية الآداب بتورينو، وعمل ناقدا مسرحيا في العام 1916، كما انضم إلى الحزب الشيوعي الإيطالي منذ تأسيسه وأصبح عضوا في أمانة الفرع الإيطالي من الأممية الاشتراكية.

ويؤكّد الفيلسوف الإيطالي استقلالية البراكسيس إزاء الفلسفات الأخرى. وهو القائل: “إنها ممارسة ونظرية في آن معا”، ولهذا فإنها فلسفة سياسية، إنها التاريخ -الحي-قيد-التكوّن، وهي كذلك تصوّر للعالم يمكن استخلاصه من الآثار الماركسية الفريدة التي يعتبرها غرامشي تتكوّن من ثلاثة أقسام: الاقتصاد السياسي والعلم السياسي والفلسفة.

وهو ينقّب فيها عن المبادئ الموحدة في علاقات الإنسان بالمادة (التي هي نتيجة براكسيس سابق) عبر التاريخ الذي يعتبر إنتاجا ذاتيا للإنسان.

والمبدأ الموحّد من وجهة النظر الاقتصادية هو القيمة، ومن وجهة النظر السياسية، الدولة، وأما من وجهة النظر الفلسفية فهو العلاقة بين إرادة الإنسان وبين الأوضاع والمواقف التي ينبغي له تجاوزها.

وهذا المبدأ الخيّر يؤلف بين وجهتي النظر السابقتين، لأنه يتيح الانتقال من المستوى الاقتصادي إلى المستوى الخلقي والسياسي. إنه البراكسيس.

وبما أنه ليس ثمة انفصال بين الإنسان والأشياء التي ينتجها، فإنه ذات ومادتان اجتماعية وتاريخية مأخوذتان في علاقة جدية مع الضرورة، وهذه النظرة هي التي تفسّر نظرية غرامشي السياسية.

فهو حين يفكّر في الدولة ويبرهن أن المجتمع السياسي أو الدولة يتكوّنان من أجهزة يغلب عليها القمع، فالدولة تتكوّن من قوى كاسرة ممثلة في الجيش والبوليس والقضاء تحل محلها إبان الأزمات منظمات خاصة كالميليشيات… ومن أجهزة تصوغ التشريعات وتطبقها ممثلة في البيروقراطية والحكومة والبرلمان، وهي الأداة التي تؤمن بها طبقة ما سيطرة على الطبقات الأخرى، وهي تتكون كذلك من أجهزة تغلب عليها الأيديولوجية كالمدرسة والكنيسة والأحزاب السياسية… وتؤمّن للطبقة المسيطرة رضا الطبقات الأخرى وقبولها بقيادتها لها. غير أن من يؤمن توحيد هذا كله هم المثقفون الذين تنميهم كل طبقة لتؤمّن هيمنتها عبرهم.

فمهمة المثقفين، حسب غرامشي، هي نشر تصوّر الطبقة للعالم وتأكيده في وجه مثقفي طبقات النظام القديم أو النظام الذي يرهص بالولادة.

وهكذا مثلا فإن مثقفي البرجوازية الذين حاربوا المثقفين المرتبطين بالإقطاع، عبر الكنيسة خاصة، عادوا فحاربوا المثقف الجماعي وهو أحزاب الطبقة العاملة، أو حاولوا أن يُلحقوه بهم عبر ممارسة اشتراكية-ديمقراطية.

وعلى هذا فإن المثقفين يشكّلون الإسمنت العضوي الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية ويتيح تكوين “الكتلة التاريخية”. وهكذا فإن الدور العملي للفلسفة يتجسّد في الحزب الثوري، الذي يرفض الاندماج بالدولة، ويقدّم الصراع الأيديولوجي على ما عداه ويخوض البراكسيس في كل السياسة محطما بذلك الكتلة الأيديولوجية البرجوازية مكونا كتلة تاريخية جديدة في إطار صراع طويل ومعقد، أو ما يسمّيه غرامشي حرب الخنادق.

وهي حرب ينبغي أن تنمّى وتطوّر خلالها أشكال تنظيم ذاتي جماهيرية تكون بمثابة جنين تدميرا للدولة ورفضا لفصل السياسي عن الاقتصادي، وبالتالي تنفيذا لفلسفة جديدة.

ويركّز غرامشي في معظم كتاباته عل تحليل القضايا السياسية والثقافية، كذلك نقد الزعماء السياسيين ورجال السياسة والثقافة.

وقد تأثّر بفكر غرامشي وفلسفته أشهر الكتاب الغربيين أبرزهم: هوارد زين وديفيد هارفي، وإدوارد سعيد، وميشيل فوكو، نعوم تشومسكي وجيولي أنجوني.

أعتقله النظام الفاشيستي الإيطالي بزعامة موسوليني في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1926 وأيضا في جويلية/ يونيو 1928، وحكموا عليه بالسجن عشرين عاما، وفي أوت/ أغسطس 1935 نقلوه إلى عيادة خاصة بروما بسبب تدهور حالته الصحية.

واعتقل غرامشي للمرة الأولى بسبب تأييده للجمهوريتين الهنغارية والروسية، وفي عام 1921 أسّس مع مجموعة من رفاقه الحزب الشيوعي الإيطالي وانتخب نائبا عام 1924 وترأس اللجنة التنفيذية للحزب. وفي الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1926 ودع السجن بناء على أمر من موسوليني، حيث أمضى العشر سنوات الأخيرة من عمره خلف القضبان، وهو الذي  أعلن من السجن قطيعته مع ستالين، وفيه كتب “دفاتر السجن”.

توفي في السابع والعشرين من أفريل/ نيسان عام 1937 متأثرا بنزيف في الدماغ عن عمر ناهز الـ46 عاما.

رحل غرامشي مؤسّس مفهوم “الهيمنة على الثقافة كوسيلة للإبقاء على الحكم في مجتمع رأسمالي”، لكنّ فكره حيّ لا يموت.

إيطاليا#
علم اجتماع#
غرامشي#
فلسفة#

عناوين أخرى