صابر بن عامر
“تمّ رفض عرض “للّا” مرة أخرى هذا العام ضمن برنامج مهرجان قرطاح الدولي، لا توجد كلمات لأقولها.. عجبي من اختيارات بعض المسؤولين الذين يحرمون الجمهور من العروض الجميلة والراقية”.. بهذه الكلمات المشوبة بالحسرة والألم تحدثت المايسترو التونسية أمينة الصرارفي إلى بوابة تونس، مُعربة عن استنكارها عدم إدراج عرضها النسائي الصوفي الأول من نوعه في تونس والوطن العربي ضمن فعاليات مهرجان قرطاج الصيفي المُرتقب.
وعرض “للّا” (سيّدتي) الذي أخرجه المسرحي حافظ خليفة، وأشرفت على إخراج لوحاته الراقصة الفنانة الكوريغرافية خيرة عبيدالله، كما أشرفت على موسيقاه الصرارفي من خلال بصمة نسائية خالصة في العزف والإنشاد، سبق عرضه في مناسبات قليلة في تونس، أبرزها حفل افتتاح الدورة الـ37 من مهرجان مدينة تونس الرمضاني عام 2019.
عرض تُشارك فيه مدّاحات من تونس وجربة وبنزرت وسوسة إلى جانب الفنانة نبيهة كراولي والممثلة ليلى الشابي في دور الحكواتي الرابط بين فصول العرض، علاوة على أكثر من عشرين عازفة ومنشدة وراقصة ضمن فرقتها النسائية الشهيرة “العازفات” المُحتفية هذا العام بمرور 30 عاما على تأسيسها.
و”للاّ” -كما توصّفه الصرارفي- عرض نسائي منهنّ وإليهنّ، أي من سيّدات تونس اليوم إلى صالحات تونس الأمس، عرض يتغنّى بمكارم السيدة المنوبية وللاّ عربية وأم الزين الجمالية وغيرهنّ من سيدات تونس الصالحات اللاتي ذكرهنّ المخيال الشعبي التونسي وما يزال إلى اليوم بكل خير.
ولا يستحضر عرض “للاّ” الموسيقى الصوفية فحسب، بل يجمع أغلب الألوان الموسيقية التونسية انطلاقا من المزود مرورا بالسطمبالي ووصولا إلى المالوف الأندلسي، وذلك من خلال الغناء الجماعي لكورال “العازفات” أو عبر الغناء المنفرد لثلاث منشدات هنّ شهناز الضاوي ونسرين الفري وسمية المرسني، إلى جانب المنشدة السبعينية مامية القروي، وهي مغنية بفرقة مقام الولية الصالحة السيّدة المنوبية.
وتُعدّ أمينة الصرارفي (من مواليد تونس العاصمة في 1958)، أول من فتح الباب للمرأة التونسية والعربية عموما لدخول مجال العزف في فرقة نسائية أسمتها “العازفات”، وهي أيضا سليلة عائلة فنية حدّ العظام، فوالدها الموسيقار الراحل قدور الصرارفي (1913-1977)، وزوجها عازف الساكسفون الشهير فيصل القروي الذي رحل عن عالمنا عام 2010، تاركا للفنانة الأم هارون وشهناز اللذين اقتحما بدورهما المجال الموسيقي من خلال العزف.
ورغم دراسة الصرارفي للفن الشرقي والغربي، ممّا أعطاها خلفية كبيرة ساعدتها على المضيّ قُدما، وبعد بداية غنائية، أخذت منهجا آخر، هو قيادة الفرقة النسائية، إلّا أنّها في المقابل، ما تزال تستلهم كثيرا من مدوّنة والدها الراحل قدور الصرارفي، وهو أحد تلاميذ رفائيل سترينو ولوي فافا وأندري هيدو، ممّا جعله من كبار الفنانين الذين أثروا المكتبة الموسيقية التونسية والعربية عبر مسيرة امتدت أكثر من أربعة عقود من الزمن.
وقد أنتج الراحل ما يُقارب الـ250 لحنا من أغان وموسيقى آلية وتصويرية وأوبيرات. كما تعامل مع عدة فنانين من تونس والجزائر وليبيا.. وأمينة هي امتداد لسيرة والدها قدور الصرارفي وزوجها فيصل القروي الملحن و”السكسوفونيست” اللامع، ومسيرتهما.
وعرض “للّا” -كما تقول عنه أمينة- انطلقت فكرته حين وجدت ضمن أرشيف والدها الراحل قدور الصرارفي دعاء في مدح الرسول محمد، ضمّ 43 اسما للرسول الأكرم، لحنه زوجها الراحل فيصل القروي، فلمعت في ذهنها فكرة أن يُغنّى المديح بأصوات نسائية وعزف نسائي صرف، فكان “للاّ” المادح لوليات تونس الصالحات، في إعادة كتابة المنسيّ بطريقة تُلائم روح العصر.