أعاد إعفاء عضو لجنة الصلح الجزائي بقرار رئاسي الجدل حول التعيينات التي يقرها الرئيس قيس سعيّد ومدى قدرتها على تنفيذ خطط السلطة من حيث الأهلية والكفاءة.
وأمس الجمعة، قرّر الرئيس قيس سعيّد إقالة عضو في اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بعدما أثارت موجة من السخرية بإعلانها أمامه- في وقت سابق- إمكان استرداد مبلغ يناهز عشرة مليار دولار.
وفي 20 جوان، قالت العضو المقالة فاطمة يعقوبي خلال اجتماع عقده الرئيس مع أعضاء: “لدينا ملف لطالب صلح عرض فيه قرابة 30 مليار دينار… أي 10 مليار دولار”، متابعة: “ثلاثون مليارا تساوي ثلاثين ألف مليون دينار”.
وخلال الجلسة، قال الرئيس سعيّد: “أولا يجب التثبت من أي جهة تحاول التحايل.. هذه الأموال تكفينا مؤونة الاقتراض من أي جهة كانت”.
وأثار تصريح المسؤولة في اللجنة موجة من تهكم وسخرية واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر فيديو يظهر ما دار بينها وبين الرئيس في صفحة الرئاسة التونسية.
ويعادل هذا المبلغ 10 مليار دولار بالعملة الأمريكية، أي نصف ميزانية تونس سنة 2023 وخمسة أضعاف القرض محلّ التفاوض بين الدولة التونسية وصندوق النقد الدولي والبالغة قيمته 1,9 مليار دولار.
ومن ضمن التعليقات التي أعقبت التصريح، قال القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني: ”تونس تسبح في محيط من المليارات.. هنالك ملف واحد من ملفات الصلح الجزائي سيدرّ على تونس 10 بليون دولار، أي 30000 مليون دينار تونسي، أي 30 مليار دينار”.
موجة جديدة من السخرية
ومباشرة بعد قرار الإعفاء، أعاد تونسيون نشر مقطع فيديو يظهر المسؤولة وهي تطرح على الرئيس ملفا لرجل أعمال يطلب الصلح مقابل 10 مليار دولار.
وفي تعقيب على قرار الإعفاء، انتقدت الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة (أم زياد) في تدوينة في صفحتها بموقع فيسبوك التعيينات صلب اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وقرارات الإعفاء بالقول: ” عزل مولاة (صاحبة) المليارات مش يدور على الناس الكل يسميهم وبعد يعزلهم، أما يستحيل يعترف باللي الصلح الجزائي وهم من أوهامه الكثيرة”.
من جانبه، علّق المدون خليفة الغيلوفي التالي: “إعفاء فاطمة اليعقوبي من عضوية الصلح الجزائي صاحبة 30 بليون دينار هل تذكرتموها”، مضيفا في التدوينة ذاتها: “اكتشف أن طالب الصلح رجل مريض نفسي ولا يكسب مليما واحدا”.
أما الدكتور حاتم غزال فدوّن ما يلي: “شخصيّة عديمة الكفاءة فاشلة وسطحيّة التفكير لا تفرّق بين المليون والمليار والدينار والدولار تجد نفسها بالصدفة مسؤولة في إحدى مؤسسات الدولة وعندما يفتضح أمرها ويقع عزلها تكتب في صفحتها: “بلادي وإن جارت عليا عزيزة يعني الأخت حاسة نفسها مظلومة”.
وأضاف في التدوينة ذاتها: “يا مدام (سيدتي) أنت وأمثالك هم من جار على البلاد وغار عليها ودمرها وذلها وأنتم أكبر ملف فساد في الدولة، أخطر من السرقة والرشوة هو ملف وصول الأغبياء إلى مناصب مسؤولين”.
أحرجت السلطة
في خضم الأزمة متعددة الأوجه التي تتراوح بين ما هو اجتماعي وسياسي، يعول الرئيس قيس سعيّد على خراج الصلح الجزائي لحشد أكبر قدر من الموارد دعما للميزانية خاصة بعد تعثر مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي حول حزمة إنقاذ قيمتها 1.9 مليار دولار.
وتونس، المثقلة بديون تناهز 80% من ناتجها المحلي الإجمالي، نالت موافقة مبدئية من صندوق النقد الدولي في منتصف أكتوبر 2022 للحصول على قرض، لكن المفاوضات متعثرة منذ ذلك التاريخ لعدم وجود التزام واضح من السلطات بتنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية.
وقدّر الرئيس قيس سعيّد قيمة الأموال التي تتطلّع السلطة إلى تجميعها من خلال الصلح الجزائي بما يزيد عن 13.5 مليار دينار ( 4.5 مليار دولار)، مستندا إلى تقييمات شملت 460 ملفا أحصتها لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، لأشخاص حققوا منافع غير قانونية بسبب قربهم من نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وتعثّر مسار الصلح الجزائي- وهو إجراء يعوّل عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد لدفع الاقتصاد المأزوم عبر تدفّقات مالية من شأنها تمويل مشاريع تنموية في الجهات الفقيرة التي تعاني التهميش- بسبب تأخّر إحداث الهيئة ودعوة أعضائها إلى أداء اليمين وصولا إلى إقالة رئيس لجنة الصلح الجزائي.
وتذهب أغلب التدوينات التي تم رصدها إلى أن قرار الإعفاء كان بسبب الإحراج الذي وقعت فيه مؤسسة الرئاسة بعد اتضاح “وهم” تصريح عضو اللجنة وتأكّدها أن طالب الصلح لا يكسب الأموال التي وردت في الملف.
وكانت عائلة طالب الصلح -الذي عرض 30 مليار دينار على الدولة- أكّدت أنّ المعني لا يملك مليما واحدا وأنه يعاني اضطرابات نفسية وقد تم إعلام قاضي التحقيق ولجنة الصلح الجزائي بذلك.
وفي تصريح سابق لراديو شمس، كشف أخ طالب الصلح أن شقيقه كان رئيسًا لأحد الأندية الرياضية الصغيرة، يقبع في السجن بعد مقاضاته بسبب صكوك دون رصيد، متابعا: “لا يملك المال وبإمكان البنك المركزي تأكيد ذلك”.
وفي هذا السياق، قال أحمد القديد (سياسي وسفير سابق) معلقا على قرار الرئيس قيس سعيّد: “قرر أن يعفي المرأة التي ورطته في هيئة الصلح الجزائي!!! أحسن لو تعفي روحك (نفسك) التي صدقتها”.
من جهته، دوّن الدكتور ماهر العباسي معلقا على خبر إعفاء فاطمة يعقوبي ساخرا: “30 بليون مليار دونار (دينار)… هاك بديت تفهم… في عقلك ماناش مزروبين هانا ڤاعدين”.
من جانبه، قال حساب محرز بلحسن في فيسبوك: ” سيدنا (قيس سعيّد) أخيرا اقتنع بعد حوالي أسبوعين أن حكاية الثلاثين بليون دولار ما فماش منها (لا توجد) وأن السيدة تهز وتسبط وتحكيله في الكلام إلي يحب يسمعو لا غير.. مش مشكل هاي تونس قاعدة تتعافى بالشوية بالشوية ماناش مزروبين”.
أما صاحب حساب نجيب بن يوسف فكان رأيه مخالفا للجميع، إذ أقر أن الجميع (غالبية) اقتنع برواية المسؤولة المقالة، ودون التالي: “رواية 30 بليون دينار انطلت على الكل وتحملتها المرأة لوحدها”.“
وأنشأ الرئيس قيس سعيّد “اللجنة الوطنية للصلح الجزائي” في 2022 وعيّن في نوفمبر الماضي أعضاءها وتتمثل مهامهم في إبرام صلح جزائي مع المتورطين في الفساد من رجال أعمال قبل ثورة 2011.
وكان الرئيس سعيّد أصدر بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، أمرا بإعفاء منية الجويني من خطة مقرّرة للّجنة الوطنية للصلح الجزائي في 27 ديسمبر 2022.
وأصدر في 21 مارس 2023، أمرا رئاسيا يقضي بإقالة رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، مكرم بنمنا.
ويهدف الصلح الجزائي- حسب نص المرسوم الرئاسي- إلى استبدال الدعوى العمومية أو ما ترتب عنها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات أو طلبات ناتجة عنها قُدِّمَت أو كان من المفروض أن تقدم في حق الدولة أو إحدى مؤسساتها أو أي جهة أخرى، وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية حسب الحاجة.
ويفضي الصلح الجزائي، حسب المرسوم، إلى توحيد مسار استرجاع الأموال المنهوبة قصد إعادة توظيفها في التنمية الوطنية والجهوية والمحلية وتحقيق المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي.