أسد بن الفرات.. الفقيه القيرواني حامل لواء فتح صقلية
tunigate post cover
ثقافة

أسد بن الفرات.. الفقيه القيرواني حامل لواء فتح صقلية

صاحب "الأسدية في فقه المالكية".. أسد بن الفرات إمام المالكية في القيروان وفارس الأغالبة الذي فتح صقلية
2023-03-24 16:50

قامة قيروانية علمية وعسكرية، جمعت بين فضائل الفقه وأصول الدين وفراسة المقاتل المقدام المجدّد لأمجاد الفتوحات الإسلامية.

هو الإمام العلامة والقاضي أسد الفرات بن سنان الحراني، أمير المجاهدين والقائد المغوار والفارس الذي قاد حملة فتح جزيرة صقلية على عهد الإمارة الأغلبية في القيروان.

ارتبطت شهرة ابن الفرات بعلمه الغزير، ومعرفته العميقة الواسعة بمذهب الإمامين مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان، حتى صنّفه المؤرّخون ضمن أبرز مراجع عصره في علوم الفقه والكلام.

من الشام إلى القيروان

ترجع أصول ابن الفورات إلى منطقة حران بالشام التي أبصر بها النور سنة 759 للميلاد، قبل أن ينتقل رفقة والده إلى إفريقية سنة 761م في ركاب جيش القائد محمد ابن الأشعث، ضمن الحملات العسكرية التي عملت على استكمال فتح شمال إفريقيا.

نشأ ابن الفرات صغيرا بالقيروان، أين تفتّح وعيه في أوج ازدهارها الحضاري فتلقّى العلم وأصول الفقه على يد الإمام علي بن زياد التونسي.

سنة 788 عقد ابن الفرات العزم على السفر إلى بلاد المشرق ومصر والعراق، والتي كانت على زمانها منارة علمية يقصدها طلبة العلم من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، طلبا للاستزادة في المعرفة والأخذ بمختلف القضايا الفقهية والمذهبية التي كان يدرسها كبار المحدثين والفقهاء والأئمة.

بين المالكية والعراقية

أخذ ابن الفرات عن الإمام مالك، كما جالس لفيفا من أصحابه ممن استقرّ بهم المقام في مصر، فشغف بأسلوبه وتأثّر بطريقته حتى أصبح من أبرز تلامذته، ومرجعا مشهودا له بالإلمام بمختلف القواعد المنقولة عن صاحب كتاب “الموطّأ”.

لم يكتفِ ابن الفرات بما بلغه من سعة إلمام بالمذهب المالكي وعلم أهل الحديث بالمدينة كما يطلق عليه، ليبدأ بعدها فصلا جديدا في رحلته طلبا لعلم الإمام أبي حنيفة، فأخذ عن كوكبة من كبار أهل الرأي في بغداد وعلى رأسهما الشيباني وأبي يوسف، حتى صار ضليعا في المذهبين الأكثر انتشار حينها بين المسلمين.

بعد عودته إلى القيروان اشتغل في تدريس كلا المذهبين، وتتلمذ على يديه عدد علماء إفريقية والقيروان وبلاد المغرب أشهرهم الإمام سحنون بن سعيد.

يُعتبر ابن الفرات من الرواد والمؤسّسين الأوائل لما عُرف لاحقا بالفقه المقارن بفضل اطّلاعه المعمّق على مدرستين فكريتين مختلفتين، فضلا عن أسلوبه في المطارحة الكلامية والتدريس والنقاش، حيث رُوي أنّه كان يطرح المسألة أو الاستشكال في قضية بعينها فيجيب عنها من رأي المالكية قبل أن ينبري إلى رأي أهل العراق حولها.

ونقل الحافظ الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء”، أنّ الإمام أسد ابن الفرات القيرواني كان يجلس للمطارحة أو التدريس و”حوله أتباع مذهب مالك، وأصحاب المذهب العراقي، فيأخذ في عرض مذهب أبي حنيفة، وشرح أقوال العراقيين، فإذا فرغ منها صاح صائح من جانب المجلس: أوقد المصباح الثاني يا أبا عبدالله، فيأخذ في إيراد مذهب مالك وشرح أقوال أهل المدينة”.

ساهم ابن الفرات في توطيد أركان المذهب المالكي الأقرب إلى نفسه وقناعاته الفكرية في شمال إفريقيا، إذ كان أوّل من أدخله إلى الجزائر، كما وضع مؤلّفا شهيرا في الأصول الفقهية والتعبّدية للإمام مالك أطلق عليه عنوان “الأسدية في فقه المالكية”.

من القضاء إلى الفتح العسكري

 سنة 819م، ولي ابن الفرات منصب القضاء في القيروان، وبقي بهذه الخطة إلى أن عزم الأمير زيادة الله الأغلبي على فتح صقلية، فعيّنه أميرا على الجيش والأسطول ووجّهه لفتح الجزيرة سنة 827.

مثّلت إمارة ابن الفرات على جيش المسلمين على صقلية نقطة تحوّل محورية في مسيرته، وهو الذي ورث خصلة الجهاد عن والده ليخلع عمامة القضاء والفقه ويحمل سيف المحارب على رأس جيش مكون من 900 فارس و10 آلاف رجل.

 بعد خمسة أيام من الإبحار وصل المسلمون إلى جنوب غرب صقلية في الثامن عشر من ربيع الأول سنة 212هـ، والموافق للسابع عشر من جوان 827م، أين دارت رحى معركة حامية الوطيس مع الجيش البيزنطي الذي قُدّر تعداده بـ150 ألف جندي.

أبلى ابن الفرات خلال المعركة البلاء العظيم، وقاد الجيش الإسلامي إلى فتح تاريخي بفضل فروسيته ورباطة جأشه وشجاعته، مكبّدا البيزنطيين هزيمة منكرة أجبرتهم على الانسحاب والفرار إلى مدينة أخرى تسمّى “قصريانة”.

وروى صاحب سير أعلام النبلاء أنّ ابن الفرات كان “فارسا بطلا شجاعا مقداما، زحف إليه صاحب صقلية في مائة وخمسين ألفا، كما حدّث أحد من شهد الموقّعة قائلا لقد رأيت أسدا، وبيده اللواء يقرأ سورة يس، ثم حمل بالجيش، فهزم العدو، ورأيت الدم وقد سال على قناة اللواء وعلى ذراعه”.

لم يمهل وباء الطاعون ابن الفرات لاستكمال مسيرة الفتح، حيث أُصيب به أثناء حصاره لمدينة “سرقوسة” وذلك في شهر ربيع الثاني سنة 213هـ، الموافق لسنة 828م، ودُفن في “قصريانة”، فيما رجّح مؤرّخون آخرون، أنّه دُفن في مدينة باليرمو الإيطالية التي كان المسلمون يدعونها “بلرَم”.

أسد ابن الفرات#
القيروان#
تونس#
رمضان#

عناوين أخرى