موجة انتقادات كبيرة رافقت تصريح وزير الفلاحة والموارد المائية في تونس، محمود إلياس حمزة، الذي نفى في 2 أوت/ أغسطس المنقضي، وجود أزمة مائية في تونس، مشيرا إلى أن إمكانية تلوث المياه نتيجة تسرب داخل القنوات غير واردة تماما. وأثار التصريح حفيظة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعي الذي أصدر بيانا أكد فيه وجود أزمة المياه حقيقة وجب الاعتراف بها وتداركها.
تحت خط الفقر المائي
وقال المنتدى إن آلاف التونسيين محرومين من حقهم في الماء الصالح للشرب ومن خدمات الصرف الصحي، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لحقوقهم الكونية مثل الحق في الصحة وفي العيش الكريم، مشيرا إلى أن التونسيون يعيشون تحت خط الفقر المائي حيث لا يتجاوز نصيب الفرد 400 متر مكعب سنويا وهي كمية أقل بكثير من 1000 متر مكعب في السنة الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية.
وأوضح المنتدى أن مشاكل التزود بالماء في تونس هيكلية بالأساس، وترجع خاصة إلى غياب سياسة مائية واضحة وناجعة، تراعي حق الجميع في الماء وتجعل الماء الصالح للشراب أولوية وطنية مقارنة باستعمالاته في المجالات الأخرى.
واعتبر أن تصريح الوزير بشأن إشكالية انقطاع الماء الصالح للشرب وعلى اشتدادها أثناء الذروة الصيفية فقط حيث يكثر استهلاك الماء، هو أمر مجانب للصواب حيث أصبحت الانقطاعات الخبز اليومي للتونسيين على مدار السنة كما أن العديد من المناطق من شمال البلاد إلى جنوبها تعاني الغياب الكلي للماء وانقطاعات تصل حتى سنوات متتالية على غرار ما عاينه المنتدى بمنطقة السقدود من معتمدية الرديف في ولاية قفصة جنوب تونس، أين يغيب الماء منذ أكثر من 6 سنوات.
وأضاف أن هناك مناطق معطشة بأرياف مدينة القيروان وسط تونس وجندوبة شمال غربي البلاد، وقفصة في الجنوب، وغيرها من الولايات. وذكر أن سكان هذه المناطق والذين يصل عددهم إلى ما يقارب 300 ألف ساكن حسب ما ورد في التقرير الوطني لقطاع الماء 2020 الصادر عن وزارة الفلاحة، يعتمدون طرقا بدائية في الحصول على المياه عبر جلبها من مصادر طبيعية غير آمنة على ظهور الحيوانات أو التزود من الحنفيات العمومية التي ركزتها الدولة بهذه المناطق بدعوى تشتت المنازل وصعوبة التضاريس وعدم الجدوى الاقتصادية لمشاريع الربط بالماء الصالح للشراب.
تخوف من تلوث المياه
وقال المنتدى في بيانه، تحصل موقع بوابة تونس على نسخة منه، إن “تحاليل تم إجراؤها على مياه الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بمنطقة حاجب العيون من ولاية القيروان، أثبتت عدم مطابقتها لجميع المعايير الصحية إذ تم اكتشاف عدة شوائب ومواد ملوثة في الماء وفق الخبير المكلف من طرف المحكمة الإدارية بالقيروان، وذلك إثر الدعوى القضائية التي رفعها فرع المنتدى التونسي بالقيروان ضد الشركة المذكورة”.
وبشأن أزمة تلوث المياه التي نفاها الوزير وتأكيده في مقابل ذلك على أ الشركة التونسية للكهرباء والغاز حريصة كل الحرص على توفير مياه صالحة للشرب تستجيب للمواصفات الجاري بها، بين المنتدى أنه لا تتم مراعاة الجانب الصحي في تزويد السكان بالماء بأغلب الجهات، حيث أن نسب العينات غير مطابقة للمواصفات من الجانب البكتريولوجي تظل مرتفعة وفي نسق تصاعدي، حيث ارتفعت من 9.9% سنة 2019 إلى 10.1% سنة 2020. كما أن نسب غياب الكلور الحر المتبقي (chlore libre résiduel) مرتفعة بعديد المناطق كما هو الشأن في تطاوين (33%) وأريانة شمال تونس (21%) مقارنة بالمعدل الوطني (5.4%)، وفقا للمنتدى.
ويؤدي تردي جودة مياه الشرب في تونس إلى تخوف المواطنين من آثار شربها على صحتهم، ما جعل تونس تحتل المركز الرابع عالميا في استهلاك المياه المعلبة بـ 227 لتر سنويا للفرد الواحد، وفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
مدارس دون ماء
وذكر المنتدى أن 1415 مدرسة عمومية غير مرتبطة بشبكات الماء الصالح للشراب، إلى حدود شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أي ما يعادل ثلث المؤسسات التربوية بالبلاد، لذلك فإن ربط 859 مدرسة بمياه الشرب كما صرح الوزير يظل غير كاف بما أن عدد المدارس التي تفتقر إلى الماء الصالح للشرب لا يزال مرتفعا خاصة في ولايات الوسط الغربي والشمال الغربي حيث لا تتجاوز نسبة ربط المدارس الـ 28% بالقصرين على سبيل المثال.
قنوات بالية
واعتبر أن الأرقام التي قدمها وزير الفلاحة في علاقة بتركيز وتجديد الشبكات، تظل غير كافية بالنظر إلى نسبة إهدار الماء على مستوى شبكات الربط والتزويد والتي تصل إلى 40% بسبب قدم الشبكة وتهالكها ونقص أشغال الصيانة.
وبين منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن القنوات المائية بمنطقة الحوض المنجمي من ولاية قفصة لم يتم تجديدها منذ تاريخ تركيزها في الثمانينات كما أن العديد من الأعطاب بالشبكة يجعل الماء ينساب لأيام متواصلة دون أي تدخل من أعوان الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه في الإبان.
وضعية مائية صعبة
واعتبرعلاء المرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه، في تصريح لراديو موزاييك، أن وضعية تونس المائية صعب جدا بسبب ندرة المياه والتغييرات المناخية في غياب أي استراتيجية واضحة للمستقبل.
وقال إن “تونس تعيش على وقع مشاكل هيكلية وسوء تصرف وعدم اعتراف بالواقع وتنصل من المسؤوليات من المشرفين على قطاع الماء في الحكومات المتعاقبة، كما أن مشكل نقص المياه مطروح منذ 10 سنوات ومع ذلك لم يتم الاتفاق على التشخيص الأمثل والحلول الممكنة”.