تونس

أزمة التعديل الحكومي في ظل غياب المحكمة الدستورية.. هل يجني البرلمان حصاد سنوات من التعطيل

“في الأزمة الظلماء يفتقد البدر”، هكذا على حدّ قول الشاعر العربي تبدو تونس في خضمّ أزمة سياسية لم تشهد مثيلا لها منذ الانتقال الديمقراطي أحوج ما يكون إلى المحكمة الدستورية، والتي كان يفترض بها فصل الاشتباك ما بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وحسم الجدل بما يخوّله لها القانون من صلاحيات وسلطات في تأويل النص الدستوري وإصدار قرار ملزم.
حسم الأزمة الدستورية
أسهمت الكتل البرلمانية بمجلس نواب الشعب على مدار 6 سنوات في تعطيل المحكمة الدستورية، لتدفع اليوم ضريبة الفراغ الناجم عن عدم انتخاب أعضائها إزاء معضلة التعديل الحكومي، حيث كان يمكن لقضاء المحكمة وأعضائها البتّ بشأن الأزمة الحالية قبل أن تتطوّر فصولها ليتحوّل إلى صدام سياسي ما بين البرلمان ورئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة، ورئيس الجمهورية قيس سعيد من الطرف المقابل.
تتفق أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي في حديثها لبوابة تونس، مع الرؤية المتعلقة بتبعات غياب المحكمة الدستورية، مشيرة أن القوى البرلمانية تفطّنت بشكل متأخّر إلى تبعات تعطيل هذه المؤسّسة بعد أكثر من 5 سنوات أخفقت خلالها في انتخاب أعضائها في عدّة مناسبات، وبرغم توالي الترشيحات.
تعطيل انقلب على البرلمان بحسب محدثتنا، بعد أن أضحت الكتل النيابية الداعمة لحكومة المشيشي عاجزة عن إسناد التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة، في ظل اصطدام القراءات المتعلقة بالنص الدستوري.
وتضيف الأستاذة القليبي:” لو كانت المحكمة الدستورية قائمة في مثل هذا الوضع القانوني والدستوري لتمّ رفع الأمر إليها بمقتضى الفصل 101 من الدستور لحسم الخلاف، وإصدار حكم بشأن أحقية رئيس الجمهورية في تعطيل التعديل الحكومي من عدمه”.
“انقلاب التعطيل” على البرلمان
غياب المحكمة الدستورية تتجاوز تداعياته استمرار الأزمة الراهنة نتيجة تباين التفسيرات المتعلقة بالنص الدستوري بحسب الأستاذة القليبي، ذلك أنها تفسح المجال لقراءة رئيس الجمهورية قيس سعيد باعتباره المخوّل والمؤتمن على تفسير الدستور عند عدم وجود المحكمة.
تعطيل لأحد أبرز الهيئات الدستورية يبدو أقرب إلى التغييب المتعمّد طوال السنوات الماضية، وهي قراءة أكّدتها محدثتنا التي اعتبرت أن العديد من القوى داخل البرلمان عملت على عدم انتخاب أعضاء الهيئة ضمْن غايات وحسابات سياسية معينة، بما فيها حركة النهضة والتي كانت طوال المدّتين النيابيتيْن الأخيرتين أحد الفاعلين الأساسيّين في المشهد النيابي.
وتضيف الأستاذة القليبي: “من المفارقات أنّ حركة النهضة التي كانت أحد أسباب تعطيل المحكمة الدستورية، هي الآن الطرف الأكثر تحمّسا لإرسائها والتسريع من الإجراءات المتعلّقة بها، بعد أن وجدت الحركة نفسها في مواجهة مباشرة مع طرف سياسي يمتلك اليد العليا في تأويل النص الدستوري، مما لا يناسبها ولا تمتلك الآليات التي تجعلها قادرة على فرض موقفها”.

معتقلو 25 جويلية