حامي صفاقس وعالم رباني وولي صالح..”سيدي اللخمي” مجدد الفقه المالكي
في قلب مدينة صفاقس، حيث يختلط عبق التاريخ بأصالة التراث، يقف مقام الولي الصالح أبي الحسن اللخمي شاهدا على حقبة من العطاء العلمي والروحاني.
هو العالم المجدد والإمام المجتهد الزاهد ورئيس فقهاء عصره بلا منازع، و”حامي صفاقس” كما ينظر إليه سكان المدينة، بفضل علمه وورعه وزهده وكراماته.
يوصف “سيدي اللخمي”، وهي التسمية التي عرف بها طوال قرون بين أهالي صفاقس، تبجيلا واحتراما لمكانته الفقهية وكراماته، بأنه باعث الحركة العلمية في زمانه في بلاد المغرب الإسلامي.
من القيروان إلى صفاقس
هو علي بن محمد الربعي اللخمي، ترجع أصوله إلى قبيلة “لخم” العربية، والتي استوطنت بلاد المغرب بعد الفتح الإسلامي.
ولد أبو الحسن اللخمي بالقيروان في القرن الخامس الهجري، في سنة 1006 ميلادية وفق أغلب الروايات، وترعرع في بيئة علمية ساهمت في تكوينه الفكري والديني، تلقى تعليمه على يد كبار العلماء، على غرار وبن محرز و التونسي و السيوري وتعمق في الفقه المالكي حتى أصبح من أبرز أعلامه.
عقب خراب القيروان نتيجة الزحف الهلالي انتقل إلى مدينة صفاقس، والتي كانت مركزا علميا وثقافيا مشعا في ذلك العهد.
اشتغل أبو الحسن اللخمي في تدريس المذهب المالكي، فذاع صيته وبات من أعيان علماء الفقه الكبار بعد الإمام سحنون.
صنف اللخمي في الطبقة العاشرة في طبقات المذهب المالكي من أهل أفريقية، كان يعرف بـ “رئيس الفقهاء في عصره”، وقال عنه القاضي عياض: “كان أبو الحسن فقيها فاضلا ديّنا مفتيا متفننا، ذا حظ من الأدب والحديث، جيد النظر، حسن الفقه، جيد الفهم، وكان فقيه وقته، أبعد الناس صيتا في بلده، وبقي بعد أصحابه، فحاز رئاسة بلاد إفريقية”.
مرجع في الفقه المالكي
عرف اللخمي بسعة اطلاعه ومعرفته، حتى أصبح مرجعا في المسائل الفقهية الكبرى، كما شكلت آراؤه منعطفًا مهما في تجديد الفقه المالكي. وتأثر به العديد من الفقهاء الذين جاؤوا بعده.
كان أبو الحسن اللخمي يرفض حصر دور الفقيه والعالم، في مجرد نقل الأحكام الشرعية، وتطبيقها، وإصدار الفتوى، فكان مجتهدا وصاحب نظر في المسائل برؤية تحليلية معمقة، وأعاد ترتيب الفروع وفق أصول المذهب، ما جعله أحد رواد التدوين الفقهي في زمانه.
تجمع الروايات الشفهية والمدونة على زهد اللخمي وتقشفه وتواضعه، ولم يفت إلا بما يراه حقا، أضحت حلقاته ومجلسه مقصدا لطلبة العلم والعامة على حد سواء، حيث تميز بأسلوبه السهل العميق، وقدرته الفذة على تفكيك المسائل المعقدة برؤية واضحة.
ترك أبو الحسن اللخمي بعد وفاته سنة 478 هجرية، إرثا فقهيا ضخما، كان من أبرز معالمه كتاب “التبصرة”، الذي يعد مرجعا أساسيا في الفقه المالكي، وتحول ضريحه إلى مقام يزوره أهل صفاقس، تبركا بهذا العالم الجليل والذين يعتبرونه وليّا صالحا وعالما ربانيا، ويتناقلون في روايتهم الشعبية عشرات الكرامات التي اشتهر بها “سيدي اللخمي”.