حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في بيان لها من أنّ “التهديد للثقافة في السودان وصل إلى مستوى غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة، خصوصا في ظل ورود تقارير عن نهب المتاحف والمواقع التراثية والأثرية والمجموعات الخاصة”.
فتداعيات الحرب المدمّرة في السودان المتواصلة منذ أكثر من 17 شهرا وصلت إلى المتاحف التي تتعرّض للنهب، فيما باتت القطع الأثرية تُعرض للبيع على الإنترنت، الأمر الذي أثار قلقا متصاعدا لدى الباحثين والمنظمات الدولية، أبرزها اليونسكو.
تحذيرات من الداخل والخارج
وخلال الأيام الماضية، تداول العديد من السودانيين على منصات التواصل الاجتماعي إعلانا نقلا عن موقع التجارة الإلكترونية “إي باي” لبيع قطعة تضمّ ثلاثة تماثيل على قاعدة واحدة (رجل وامرأة وطفل)، وكُتب عليها أنها من القطع الأثرية المصرية القديمة معروضة للبيع بسعر 280 دولارا، وفق وكالة فرانس برس.
وندّد هؤلاء ببيع تراث السودان عبر الإنترنت، لكنّ أحد خبراء الآثار السودانية أفاد أنّ التمثال المعروض على الإنترنت تقليد لقطعة موجودة بالمتحف.
إلّا أنّه أشار إلى أنّ هناك إعلانات لـ”قطع فخارية وذهبية ولوحات كانت موجودة بالفعل بالمتحف معروضة للبيع عبر الإنترنت”.
وأَضاف: “هناك مخاوف أنه إذا حاول سارقو المتحف تحريك التماثيل الضخمة قد تتعرّض للدمار، لأنها تحتاج إلى متخصّصين”.
ودعت اليونسكو السودانيين “من الجمهور والوسط الفني.. في المنطقة والعالم إلى الامتناع” عن الاتجار بالقطع الفنية السودانية.
وقالت مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار، ورئيس لجنة استرداد الآثار السودانية إخلاص عبداللطيف: “نعم تعرّض متحف السودان القومي لعملية نهب كبيرة”، وفق موقع القدس العربي.
وأضافت أنّه تمّ رصد عبر الأقمار الصناعية “خروج شاحنات كبيرة محمّلة بكل القطع الأثرية المخزّنة في المتحف عن طريق أم درمان متجهة نحو الغرب”.
كما أشارت إلى أنّ هذه المسروقات تباع في المناطق الحدودية، وخصوصا على الحدود مع جنوب السودان.
ولم يتبيّن بعد حجم المسروقات أو قيمتها لصعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف الذي يقع في منطقة سيطرة الدعم السريع.
وتقول عبداللطيف إنّ مخازن المتحف القومي “تعتبر مستودعا رئيسيا لجميع آثار السودان”.
وتمّ افتتاح المتحف القومي عام 1971، وهو يقع في العاصمة ويطلّ مدخله على ضفة النيل الأزرق، ويضمّ مقتنيات وقطعا تؤرّخ لجميع فترات الحضارة السودانية، بدءا من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية، مرورا بالآثار النوبية والمسيحية.
حملة استرداد الآثار المنهوبة
وفي جوان 2024، تأكّدت اليونسكو، حسب بيان لها “من تعرّض أكثر من عشرة متاحف ومراكز ثقافية ومؤسسات ذاكرة للنهب والتخريب” في السودان.
وحذّرت من ضياع “ذاكرة آلاف السنين من الحضارة والمعرفة والتقاليد الأصلية في البلد”.
ولم يتوقّف نهب التراث عند المتحف القومي، حيث تقول عبداللطيف إنه “تمّ نهب ممتلكات متحف نيالا في جنوب دارفور ومجموعاته المتحفية وحتى أدوات العرض”.
كذلك أشارت إلى سرقة متحف الخليفة عبدالله التعايشي في أم درمان، وتدمير أجزاء من مبناه الذي يعود إلى حقبة الدولة المهدية في السودان قبل الاستقلال.
وأرجع الباحث في الآثار السودانية والمدير الأسبق لهيئة الآثار حسن حسين سبب السرقات إلى أنه “لا توجد حراسة للمتاحف والآثار السودانية بسبب الحرب”.
وأطلق باحثون في الآثار حملة لاسترداد القطع الأثرية السودانية المنهوبة، وفق موقع الميادين.
وقال حسين إنه يسعى إلى تسليط الضوء على أزمة سرقة تاريخ السودان خلال مؤتمر سيعقد في مدينة مونستر الألمانية.
وأضاف: “أوضاع الآثار السودانية في الوقت الراهن تشغل كل المهتمين بالتراث الإنساني”.
واندلعت المعارك في السودان في منتصف أفريل 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، لتنزلق البلاد إلى ما وصفته الأمم المتحدة بـ”واحدة من أسوإ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة”.